24ـ نعيم القبر وعذابه (2)

24ـ نعيم القبر وعذابه (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

وَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾. أَيْ: لَا تَمْتَثِلُونَ أَوَامِرَهَا، وَلَا تَجْتَنِبُونَ مَنَاهِيهَا، اسْتِكْبَارَاً مِنْكُمْ، وَإِعْرَاضَاً عَنْهَا.

فَقَوْلُ المَلَائِكَةِ لَهُمْ: ﴿اليَوْمَ﴾ أَيْ: يَوْمَ مَوْتِ الظَّالِمِينَ ﴿تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ وَهَذَا صَرِيحٌ في تَعْذِيبِهِمْ في قُبُورِهِمْ عَقِبَ مَوْتِهِمْ.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾.

فَالعَذَابُ العَظِيمُ هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ في الآخِرَةِ، وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِعَذَابٍ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةٍ في الدُّنْيَا، وَمَرَّةٍ في الآخِرَةِ.

وَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ حَبْرُ الأُمَّةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ القَبْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَ عَنِ المُنَافِقِينَ وَالكُفَّارِ أَنَّ لَهُمْ عَذَابَيْنِ: أَدْنَى وَأَكْبَرَ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُذِيقُهُمُ الآنَ في الدُّنْيَا بَعْضَ العَذَابِ الأَدْنَى، وَذَلِكَ بِتَسْلِيطِ أَنْوَاعِ البَلَاءِ عَلَيْهِمْ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلى اللهِ تعالى بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُذِيقُهُمُ البَعْضَ الآخَرَ مِنْ هَذَا العَذَابِ الأَدْنَى بَعْدَ المَوْتِ وَهُمْ في البَرْزَخِ.

أَمَّا يَوْمُ القِيَامَةِ فَلَهُمُ العَذَابُ الأَكْبَرُ، الذي قَالَ فِيهِ سُبْحَانَهُ: ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

وَهَذِهِ الآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ في الاسْتِدْلَالِ عَلَى عَذَابِ البَرْزَخِ في القُبُورِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ بَعْدَمَا أَحَاطَ بِهِمْ سُوءُ العَذَابِ، وَهُوَ الغَرَقُ في اليَمِّ، انْتَقَلُوا بَعْدَ مَوْتِهِمْ إلى عَذَابِ البَرْزَخِ، فَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ صَبَاحَاً وَمَسَاءً، يَمَسُّهُمْ عَذَابُهَا وَيَلْفَحُهمْ لَهَبُهَا وَشَظَاهَا، إلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةِ، فَحِينَئِذٍ يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾. وَهُوَ الصِّلِيُّ في جَهَنَّمَ، وَإِذَاقَتُهُمْ أَلْوَانَ العَذَابِ الأَلِيمِ.

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى حَقِيقَةِ نَعِيمِ القَبْرِ وَعَذَابِهِ:

فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانُ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 26/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 20/ شباط / 2020م