175ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وآثاره الطيبة (2)

175ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وآثاره الطيبة (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ العَضْبَاءِ، وَكَانَ الْحَارِثُ رَجُلَاً جَسِيمَاً، فَدَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَاذَى وَجْهَهُ بِرُكْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَهْوَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَ الْحَارِثِ، فَمَا زَالَتْ النَّضْرَةُ عَلَى وَجْهِ الْحَارِثِ حَتَّى هَلَكَ ـ أَيْ: مَاتَ ـ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَمَا في الإِصَابَةِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً، يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: «يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنَاً» فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ.

وَكَانَ في وَجْهِهِ ثُؤُلُولٌ؛ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتُ هَذَا حَتَّى يَذْهَبَ الثُّؤْلُولُ مِنْ وَجْهِهِ».

قَالَ الرَّاوِي: فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى ذَهَبَ الثُّؤْلُولُ مِنْ وَجْهِهِ. (قَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالبَزَّارُ بِاخْتِصَارِ الثُؤْلُولِ، وَرِجَالُ أَحَدِ إِسْنَادَيِ البَزَّارِ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ الحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الحَضْرَمِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ. اهـ).

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ يَقُولُ: أَجْلَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي وَسَمَّانِي: يُوسُفَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.

وَأَخْرَجَ البَغَوِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ قَالَ: أَتَى أَبِي بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيْ عَبْدٍ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبَرَّكَ عَلَيْهِمَا وَمَسَحَ بِرُؤُوسِهِمَا، وَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ: «هَذَا عَائِذٌ».

فَكَانَا إِذَا حَلَقَا رُؤُوسَهُمَا نَبَتَ مَوْضِعُ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البَاقِي. كَمَا في الإِصَابَةِ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، فَعَمَّرَ ـ أَيْ: طَالَ عُمُرُهُ ـ حَتَّى شَابَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَمَا شَابَ مَوْضِعُ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.

وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ في أَخْبَارِ المَدِينَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَ عُبَادَةَ بْنِ سَعْدٍ بْنِ عُثْمَانَ الزُّرْقِيَّ، وَدَعَا لَهُ، فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً وَمَا شَابَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مَا وَرَدَ في ذَلِكَ لَعَجِزَ القَلَمُ عَنْ إِحْصَاءِ ذَلِكَ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ التي أَوْرَدْنَاهَا عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لَهِيَ أَكْبَرُ دَلِيلٍ قَاطِعٍ عَلَى إِيمَانِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كِبَارِهِمْ وَصِغَارِهِمْ وَقُوَّةِ اعْتِقَادِهِمْ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ فَيَّاضٌ بِالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَالأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، وَلِذَا كَانُوا يَحْرِصُونَ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى أَنْ يَمْنَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ مَسْحَةً عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو رُؤُوسِهِمْ أَو صُدُورِهِمْ، أَو يُكْرِمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَفْلَةٍ مِنْ تَفَلَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الفَيَّاضَةِ بِالبَرَكَاتِ مِنَ اللهِ تعالى، أَو يُكْرِمَهُمْ بِسُؤْرِهِ الشَّرِيفِ،  أَو مَاءِ وُضُوئِهِ المُبَارَكِ، أَو مَجَّةٍ يَمُجُّهَا في فَمِهِمْ، وَذَلِكَ لِتَسْرِيَ بَرَكَاتُهَا في ذَوَاتِهِمْ وَذَرَّاتِهِمْ.

وَهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّ العِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى حَبِيبِهِ الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ إِكْرَامِهِ تعالى وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

وَقَالَ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

وَقَالَ لَهُ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَيْ: أَعْطَيْنَاكَ الخَيْرَ الكَثِيرَ، وَمِنْ ذَلِكَ الخَيْرِ الكَثِيرِ: نَهْرُ الكَوْثَرِ في الجَنَّةِ، وَالحَوْضُ في المَوْقِفِ، إلى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 27/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 21/ شباط / 2020م