176ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم على الصدور

176ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم على الصدور

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

مَسْحَاتُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصُّدُورِ لِيُثَبِّتَ الإِيمَانَ في قُلُوبِ أَصْحَابِهَا:

فَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الأَوْقَصِيِّ الذي أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ:

قَالَ في الإِصَابَةِ: وَكَانَ شَيْبَةُ مِمَّنْ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَذَفَ اللهُ في قَلْبِهِ الرُّعْبَ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَثَبَّتَ الإِيمَانَ في قَلْبِهِ، وَقَاتَلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ.

قَالَ في الإِصَابَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ في المَغَازِي بِمَعْنَاهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَكَذَا سَاقِ البَغَوِيِّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ شَيْبَةَ، وَفِيهِ: قَالَ شَيْبَةُ: فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ، فَدَنَوْتُ ثُمَّ دَنَوْتُ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ أَتِرَهُ ـ أَقْتُلَهُ ـ بِالسَّيْفِ، وَقَعَ لِي شِهَابٌ مِنْ نَارٍ كَالْبَرْقِ، فَرَجَعْتُ الْقَهْقَرَى ـ أَيْ: إلى الوَرَاءِ فَزِعَاً ـ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَعَالَ يَا شَيْبَةُ».

فَوَضَعَ يَدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدْرِي، فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَـصَرِي وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَمِنْ بَصَرِي . . . الحَدِيثَ.

أَيْ: فَصَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ بَعْدَمَا وَضَعَ يَدَهُ الـشَّرِيفَةَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلُ شَدِيدَ البُغْضِ يُحَاوِلُ أَنْ يَغْتَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ!.

فَانْظُرْ في أَثَرِ هَذِهِ المَسْحَةِ المُحَمَّدِيَّةِ كَيْفَ حَوَّلَتْهُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ!

وَمِنْ ذَلِكَ: قِصَّةُ أَبِي مَحْذُورَةَ  التي جَاءَتْ في السُّنَنِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ قَالَ: خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ فَكُنَّا بِبَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ، فَقْفَلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ أَيْ: رَجَعَ ـ مِنْ حُنَيْنٍ، فَلَقِيَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ المُؤَذِّنِ وَنَحْنُ مُتَنَكِّبُونَ، فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ.

فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّوْتَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، إلى أَنْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ قَدِ ارْتَفَعَ؟».

فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إِلَيَّ ـ وَصَدَقُوا ـ فَأَرْسَلَهُمْ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي، فَقَالَ: «قُمْ، فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ».

فَقُمْتُ وَلَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِمَّا يَأْمُرُنِي بِهِ، فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ . . .» إلى آخِرِ الأَذَانِ.

ثُمَّ دَعَانِي حِينَ قَضَيْتُ التَّأْذِينَ فَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ وَضَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى نَاصِيَةِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ أَمَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَرَّتَيْنِ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُرَّةَ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ».

قَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ!

فَقَالَ: «قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ».

قَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ: فَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرَاهِيَةٍ، وَعَادَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَحَبَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَجَاءَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلَا يَفْرِقُهَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهَا.

أَيْ: فَهُوَ يُرِيدُ بَقَاءَ بَرَكَتِهَا.

فَانْظُرْ في أَثَرِ هَذِهِ المَسْحَةِ المُحَمَّدِيَّةِ كَيْفَ حَوَّلَتِ المُبْغِضَ اللَّدُودَ إلى عَاشِقٍ وَدُودٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ: قِصَّةُ حَرْمَلَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَأْخُذُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَيَدْعُو لَهُ، فَيَذْهَبُ النِّفَاقُ مِنْ صَدْرِهِ:

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ حَرْمَلَةُ بْنُ زَيْدٍ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْإِيمَانُ هَا هُنَا ـ وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ ـ وَالنِّفَاقُ هَا هُنَا ـ وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ ـ وَلَا يَذْكُرُ اللهَ إِلَّا قَلِيلَاً.

فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ـ أَيْ: يَشْكُو أَمْرَهُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِطَرَفِ لِسَانِ حَرْمَلَةَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ لِسَانَاً صَادِقَاً، وَقَلْبَاً شَاكِرَاً، وَارْزُقْهُ حُبِّي وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّنِي، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى الْخَيْرِ».

فَقَالَ حَرْمَلَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِخْوَانَاً مُنَافِقِينَ كُنْتُ فِيهِمْ رَأْسَاً، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَيْهِمْ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاءَنَا كَمَا جِئْتَنَا اسْتَغْفَرْنَا لَهُ كَمَا اسْتَغْفَرْنَا لَكَ، وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى ذَنْبِهِ فَاللهُ أَوْلَى بِهِ، وَلَا نَخْرِقْ عَلَى أَحَدٍ سَتْرَاً» قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. اهـ. وَأَوْرَدَهُ في الإِصَابَةِ وَعَزَاهُ أَيْضَاً إلى ابْنِ مَنْدَه وَغَيْرِهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 30/ جمادى الآخرة/1441هـ، الموافق: 24/ شباط / 2020م