698ـ خطبة الجمعة: أتخشون فيروس كورونا؟

698ـ خطبة الجمعة: أتخشون فيروس كورونا؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الخَوْفُ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ مِنْ طَبِيعَةِ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهُ، مِثْلُ الخَوْفِ مِنَ الفَقْرِ، أَو المَرَضِ، أَو المُسْتَقْبَلِ، أَو المَوْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَيْرُوسُ كُورُونَا حَدِيثُ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، هَذَا الفَيْرُوسُ الذي يُهَدِّدُ النَّاسَ جَمِيعًا، الكُلُّ في حَالَةِ خَوْفٍ مِنْهُ، وَالكُلُّ يُفَكِّرُ في وَسَائلِ الوِقَايَةِ مِنْهُ، وَهَذَا شَيْءٌ حَسَنٌ، وَوَاجِبٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَأْخُذَ احْتِيَاطَاتِهَا مِنْ هَذَا الفَيْرُوسِ، لِأَنَّهُ مَرَضٌ مُعْدٍ.

هَذَا الفَيْرُوسُ يَأْتِي بِدُونِ اخْتِيَارٍ مِنَ النَّاسِ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الابْتِلَاءِ الذي يَسُوقُهُ اللهُ تعالى إلى خَلْقِهِ، وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَيْرٌ لِمَنْ أَصَابَهُ هَذَا الفَيْرُوسُ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى العَافِيَةَ.

روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟».

قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا.

فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».

لِمَاذَا هَذَا الرُّعْبُ مِنْ فَيْرُوسِ كُورُونَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لِمَاذَا هَذَا الرُّعْبُ وَالخَوْفُ مِنْ فَيْرُوسِ كُورُونَا، وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِنَا، وَإِنْ جَاءَ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ ـ كَانَ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِنَا، وَرَفْعِ دَرَجَاتِنَا؟

أَتَخْشَوْنَهُ؟

إِنْ كَانَ الجَوَابُ: نَعْم نَخْشَاهُ.

فَأَقُولُ لِنَفْسِي وَلَكُمْ: ﴿فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ نَخْشَاهُ:

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ قَتْلَ الأَبْرِيَاءِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾؟

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ الرِّبَا، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾؟

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾؟

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ السَّرِقَةَ وَالنَّهْبَ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ الفَاحِشَةَ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾؟

وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ الظُّلْمَ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾؟

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ خُطُورَةَ الأَمْرِ بِالمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ المَعْرُوفِ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ في حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْمُرُ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَى عَنِ المَعْرُوفِ؟

إِذَا كَانَ النَّاسُ يَخْشَوْنَ فَيْرُوسَ كُورُونَا، فَلِمَاذَا لَا يَخْشَوْنَ خُطُورَةَ نَشْرِ الفَسَادِ في الأَرْضِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ حَقِّ النَّاسِ أَنْ يَخَافُوا مِنَ الأَمْرَاضِ وَالأَسْقَامِ، وَلَكِنْ مَنْ خَافَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ.

عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾.

عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ﴿رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 18/ رجب /1441هـ، الموافق: 13/ آذار / 2020م