113ـ كلمات في مناسبات: ذكرى الإسراء والمعراج

113ـ كلمات في مناسبات

ذكرى الإسراء والمعراج

المؤمن متفائل

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسَاسُ التَّفَاؤُلِ الثِّقَةُ بِاللهِ تعالى وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَغِذَاءُ التَّفَاؤُلِ عِلْمُ المُؤْمِنِ بِأَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ تَعالى لَهُ، لِذَلِكَ هُوَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْوَالِ ـ مَعَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ ـ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمُحَوِّلِ الأَحْوَالِ.

المُؤْمِنُ مُتَفَائِلٌ حَتَّى وَلَو نَزَلَتْ بِهِ الشَّدَائِدُ وَالمِحَنُ وَالمَصَائِبُ، مُتَفَائِلٌ مَعَ العَمَلِ عَلَى دَفْعِ مَا يَسْتَطيعُ دَفْعَهُ مِنِ ابْتِلَاءَاتٍ وَمَصَائِبَ وَشَدَائِدَ، مُتَفَائِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ كُلَّ مِحْنَةٍ وَرَاءَهَا مِنْحَةٌ، وَأَنَّهُ لَا تَخْلُو مُصِيبَةٌ مِنْ غَنِيمَةٍ.

المِحَنُ كَاشِفَةٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَتَشَاءَمُوا مِنَ المِحَنِ، وَلَا يَضِقْ صَدْرُكُم مِنْهَا، لِأَنَّ المِحَنَ كَاشِفَةٌ لِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الإِنْسَانُ، فَإِنَّهَا تُظْهِرُ مَعْدِنَهُ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْطَوى وَجُبِلَ عَلَى خُلُقِ الرَّحْمَةِ وَالأَخْلَاقِ الحَمِيدَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.

فَكَيْفَ تَظْهَرُ هَذِهِ الرَّحْمَةُ وَتِلْكَ الأَخْلَاقُ لَوْلَا المِحَنُ!؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَنْتُمْ تَعِيشُونَ في هَذِهِ الأَيَّامِ مِحَنًا قَاسِيَةً، وَقَاسِيَةً جِدًّا، مِنْ مِحْنَةِ الحَرْبِ، إلى مِحْنَةِ النُّزُوحِ، إلى مِحْنَةِ الغَلَاءِ، إلى مِحْنَةِ الخَوْفِ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، إلى المِحْنَةِ الأَخِيرَةِ، مِحْنَةِ فَيْرُوسِ كُورُونَا.

تَذَكَّرُوا المِحَنَ التي مَرَّتْ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدَايَةً بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. فَأَنْذَرَ عَشِيرَتَهُ، فَإِذَا بِعَمِّهِ أَبِي لَهَبٍ يَقُولُ لَهُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا. رواه الإمام البخاري.

ثُمَّ بَدَأَتِ المِحَنُ تَشْتَدُّ وَتَشْتَدُّ حَتَّى حُوصِرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ.

وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشِّعْبِ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ الذي كَانَ حِصْنًا مَنِيعًا يَحْتَمي بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُبَرَاءِ وَسُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ أَو ثَلَاثَةٍ تُوُفِّيَتْ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ خَدِيجَةُ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، التي كَانَتْ وَزِيرَةَ صِدْقٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتي كَانَتْ تَحِنُّ عَلَيْهِ وَتُؤَازِرُهُ في أَحْرَجِ الأَوْقَاتِ، وَتُعِينُهُ عَلَى إِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَتُوَاسِيهِ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَالتي قَالَ في حَقِّهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

في وَسَطِ هَذَا الحُزْنِ، مِنْ فَقْدِ العَمِّ وَالزَّوْجَةِ، تَوَالَتِ المَصَائِبُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ، فَازْدَادَ غَمًّا عَلَى غَمٍّ حَتَّى يَئِسَ مِنْهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَهَا فَكَّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى الطَّائِفِ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إلى اللهِ تعالى، وَقَدِ اخْتَارَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانَتِهَا في نُفُوسِ العَرَبِ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم﴾. وَالمَقْصُودُ بِالقَرْيَتَينِ، مَكَّةُ أَو الطَّائِفُ، وَهِيَ تَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ مِئَةَ كِيلُو مِتْرٍ تَقْرِيبًا.

خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ بِدُونِ رَاحِلَةٍ، وَبِدُونِ صُحْبَةٍ لَهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ كَسَيِّدِنا أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ـ الذي كَانَ يَبْلُغُ مِنَ العُمُرِ أَرْبَعِينَ عَامًا ـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ مَسَافَةَ مِئَةِ كِيلُو مِتْرٍ عَلَى قَدَمَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ بَيْنَ الجِبَالِ وَالوِدْيَانِ، وَعَمَدَ إلى ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ثَقِيفٍ، عَبْدِ يَالِيلَ، وَمَسْعُودٍ، وَحَبِيبٍ، أَبْنَاءِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ الثَّقَفِيِّ، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إلى اللهِ تعالى.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ يَالِيلَ: إِنَّهُ سَيَمْرُطُ ـ سَيُمَزِّقُ ـ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ اللهُ أَرْسَلَهُ.

وَقَالَ لَهُ مَسْعُودٌ: أَمَا وَجَدَ اللهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ.

وَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا، لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللهِ كَمَا تَقُولُ لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الْكَلَامَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللهِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ.

فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي».

فَقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنْ بِلَادِنَا، وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ.

فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ تَبِعَهُ السُّفَهَاءُ وَالعَبِيدُ يَسُبُّونَهُ وَيَرْمُونَهُ بالحِجَارَةِ، حَتَّى سَالَ الدَّمُ مِنْ قَدَمَيْهِ الـشَّرِيفَتَيْنِ، وَخُضِبَ نَعْلَاهُ الشَّرِيفَانِ بِالدِّمَاءِ الطَّاهِرَةِ، وَزَيْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ، حَتَّى دَخَلَ إلى بُسْتَانِ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَهُنَا انْكَشَفَ مَا طُوِيَ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِحْنَةُ الطَّائِفِ كَشَفَتْ لَنَا الحَقِيقَةَ التي طُوِيَتْ عَلَيْهَا شَخْصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ هَذِهِ المِحَنُ جَعَلَتْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَشَائِمًا؟ لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ، بَلْ مَا زَادَتْهُ إِلَّا تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الشَّدَائِدَ لَمْ وَلَنْ تَدُومَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾. وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى يُرِيدُ أَنْ يَرَى مِنْ عَبْدِهِ الشُّكْرَ في الرَّخَاءِ، وَالصَّبْرَ عِنْدَ البَلَاءِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَابِرًا شَاكِرًا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المِحَنُ وَالشَّدَائِدُ مَا زَادَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَفَاؤُلًا، وَتَجَلَّى هَذَا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ ـ يَعْنِي قُرَيْشًا ـ

فَقَالَ: «يَا زَيْدُ، إنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرْجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ» الطبقات الكبرى لابن سعد.

فَلَا تَيْأَسُوا وَلَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَانْظُرُوا إلى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَيَّامِ، أَيَّامِ فَيْرُوسِ كُورُونَا، بِأَنَّهَا لَهَبٌ تُظْهِرُ مَعَادِنَ النَّاسِ، فَهَلْ نُفَكِّرُ وَنُسْرِعُ إلى رِضَا اللهِ تعالى، وَنَقُولُ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى»؟ أَمِ البَعْضُ سَخِطَ عَلَى اللهِ تعالى وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟

المِحَنُ تُوقِفُ العَبْدَ بِبَابِ مَوْلَاهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ المِحَنَ بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا تُوقِفُ العَبْدَ بِبَابِ مَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَجْعَلُهُ يَتَسَاءَلُ هَلِ الذي حَصَلَ مِنْ غَضَبِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ لِيُرَاجِعَ الحِسَابَاتِ وَيَتُوبَ إلى اللهِ تعالى، أَمْ لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؟

هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ عِصْمَتِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا يُظْهِرُ حَقِيقَةَ عُبُودِيَّتِهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا روى الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَنْتَ رَبُّ الْـمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، اللَّهُمَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْته أَمْرِي، إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ؛ وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك».

لَقَدْ أَوْضَحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لِي» أَنَّ المُهِمَّ هُوَ رِضَا اللهِ تعالى، وَلَكِنِ العَافِيَةُ هِيَ الأَوْسَعُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بَعْدَ هَذَا المَوْقِفِ العَصِيبِ، جَاءَتِ المِنْحَةُ العُظْمَى التي صَرَّحَ عَنْهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير﴾.

وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَفَاءَلُوا وَلَا تَتَشَاءَمُوا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، إِذَا حَاسَبْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَاصْطَلَحْتُمْ مَعَ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وتعالى، وَاتَّقَيْتُمُ اللهَ تعالى، وَصَبَرْتُمْ عَلَى مَا قَدَّرَهُ عَلَيْكُمْ، فَهُوَ القَائِلُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وَالقَائِلُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُتَّقِينَ المُحْسِنِينَ، وَأَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ المِحْنَةِ إلى مِنْحَةٍ تُدْهِشُ عُقُولَ الـبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَتُذْهِلُ مَنْ كَانَ يَكِيدُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 26/ رجب /1441هـ، الموافق: 21/ آذار / 2020م