197ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (4)

197ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (4)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ.

فَقَالَ لِي: «سَلْ».

فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ».

قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا الدُّعَاءُ الَّذِي دَعَوْتَ بِهِ لَيْلَةَ قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهُ»؟

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانَاً لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمَاً لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى دَرَجَةِ الْجَنَّةِ جَنَّةِ الْخُلْدِ.

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، إِذْ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهُ».

قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَيْهِ ـ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ ـ فَسَأَلْتُهُ: مَا دَعَوْتَ بِهِ؟

فَقَالَ: إِنَّ لِي دُعَاءً مَا أَكَادُ أَنْ أَدَعَهُ ـ أَيْ: لَا أَكَادُ أَتْرُكُهُ ـ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانَاً لَا يَبِيدُ، وَنَعِيمَاً لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى دَرَجَةِ الْجَنَّةِ جَنَّةِ الْخُلْدِ.

وَلَمَّا احْتُضِرَ بِلَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَادَتِ امْرَأَتُهُ: وَاحُزْنَاهُ!

فَقَالَ لَهَا: وَاطَرَبَاهُ! غَدَاً أَلْقَى الأَحِبَّةَ: مُحَمَّدَاً وَصَحْبَهُ.

خَامِسَاً: بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَذَكُّرِهِ وَالوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَمَا يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْرَارِهِ وَأَنْوَارِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ عُهُودِهِمْ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمُ الشَّدِيدُ لِوَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَشَغَفِهِمْ بِهِ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ أَطْرَافَاً مُوجَزَةً:

بُكَاؤُهُمْ لِأَلَمِ مُفَارَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى اليَمَنِ، خَرَجَ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي في ظِلِّ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّتِهِ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي».

فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعَاً ـ أَيْ: جَزَعَاً ـ لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ الْتَفَتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ المَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلى النَّاسِ بِي المُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا».

قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ.

وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ الإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَعَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. اهـ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 13/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 30/تشرين الأول / 2020م