41ـ نحو أسرة مسلمة: حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا: طاعته صلى الله عليه وسلم(2)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد ذكرنا في الأسبوع الماضي حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، وهو وجوب الطاعة له بعد الإيمان به صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل بيَّن لنا في نص القرآن العظيم هذا بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله}.

شأن المؤمن الصادق:

وشأن المؤمن الصادق امتثال أمر النبي الذي أرسل إليه ولو كان على نفسه، وجسَّد ذلك سيدنا إسماعيل عليه السلام، عندما قال له سيدنا إبراهيم عليه السلام: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِين}. قال له سيدنا إسماعيل :{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}. لأنه عرف أنه ما من رسول أرسله الله تعالى إلا ليطاع بإذن الله، وهذه طاعة مطلقة بدون قيد ولا شرط.

وكيف لا يمتثل المرسلُ إليهم أمرَ الرسول إذا كان الرسولُ هو أولَ الملتزمين لأمرِ المرسِل وهو الله تعالى، فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام المرسَل من قبل ربه ليطاع بإذن الله فكان هو صلى الله عليه وسلم أوَّلَ الطائعين، وهذا ما جسَّده في سيرته العطرة، عندما أمره تعالى بوضع زوجته وولده في وادٍ غير ذي زرع، وقالت له السيدة هاجر رضي الله عنها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا [رواه البخاري]. لأنها عارفة بأنَّ الآمر ضامن.

وهكذا يجب أن يكون بيت المسلم، أن يعلم كلٌّ من الآباء والأبناء بأنَّ كل واحد منهم لا يطلب من الطرف الآخر إلا ما هو مأذون به شرعاً، فالأب لا يكلِّف ولده إلا بما أذن الله تعالى له، والأم كذلك، والزوج مع الزوجة، والزوجة مع زوجها، فإذا توجَّه أمر لفرد من أفراد الأسرة، فالمأمور يسرع لتنفيذ الأمر، لأنه علم بأن الآمر مأمور من قبل الله عز وجل، وهذا ما فهمه سيدنا إسماعيل عليه السلام من خلال حياته من أبويه لذلك قال لوالده عليه السلام: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِين}.

لأن أمر ذبح الولد صعب وشاق، ولكن ما دام الآمر الله فنستعين بالله تعالى، ونكون بالله تعالى من الصابرين.

لأننا نحن على يقين بان الآمر وهو الله تعالى ما يأمرنا ولا ينهانا إلا بما هو في مصلحتنا، لذلك رأينا السيدة هاجر رضي الله عنها قالت لسيدنا إبراهيم عندما قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا الله تعالى.

رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الطائعين:

وكذلك رأينا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الطائعين فيما أُنزل عليه، وصرَّح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ). وهذا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله)؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) رواه مسلم.

وهذا ما يجب على كل فرد منا أن يطبق شرع الله تعالى على نفسه حتى يطمئنَّ أفراد الأسرة بأن ربَّ الأسرة ملتزم بالشرع قبل أولاده وزوجته.

أين نحن من طاعتنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

إذا عرفنا هذا فإنه يجب علينا أن نضع أنفسنا في الميزان لنعرف مدى طاعتنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وخاصة بعد أن عرفنا أن أعظم نعمة منَّ الله بها علينا هي نعمة الإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إيمان الشجر بنبوته صلى الله عليه وسلم:

لننظر أيها الإخوة، شجرة تؤمن بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كبقية الجمادات.

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أين تريد)؟ قال: إلى أهلي. قال: (هل لك إلى خير)؟ قال: ما هو؟ قال: (تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله)، قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هذه السمرة)، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تَخُدُّ الأرض خدَّاً حتى كانت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: إن يتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك. رواه ابن حبان.

فالشجرة شهدت لله تعالى بالوحدانية ولسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، ولذلك ما وسعها إلا الانقياد لأمره صلى الله عليه وسلم.

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

نستفيد من هذا الحديث الشريف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب تبليغ رسالة الله عز وجل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) رواه أحمد.

لأن الكثير منا يفهم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}. فهماً خاطئاً، حيث يقتصر على نفسه بدون تبليغ غيره، ولذلك جاء في تفسير هذه الآية ما رواه أبو داود عن أَبُي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ يَعْنِي بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ). ولذلك يجب علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن نتعلَّم ونعلِّم.

وهذا ما فعله الأعرابي عندما قال لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك). فأراد أن يبلِّغ، ماذا يبلِّغ؟ ماذا تعلَّم؟ كلُّ الذي تعلمه الشهادتان، فأراد أن يبلِّغ ذلك.

فهل بوسعنا أن يبلِّغ كل واحد منا آيةً أو حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء عمله ولقائه مع الآخرين؟ نرجو الله تعالى أن يكرمنا بذلك.

طاعة الشجر لأمره صلى الله عليه وسلم:

فالشجر كبقية الجمادات منقاد لأمره صلى الله عليه وسلم طائع له، وهذا بلغ حدَّ التواتر.

روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث طويل قال: (سِرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ (واسع) فَذَهَبَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: (انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ الله)، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: (انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ الله) فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لأَمَ بَيْنَهُمَا ـ يَعْنِي جَمَعَهُمَا ـ فَقَالَ: (الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ الله) فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، ـ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبَعَّدَ ـ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلاً، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدْ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ).

(فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوش): أي هُوَ الَّذِي يُجْعَل فِي أَنْفه خِشَاش بِكَسْرِ الْخَاء، وَهُوَ عُود يُجْعَل فِي أَنْف الْبَعِير إِذَا كَانَ صَعْبًا، وَيُشَدّ فِيهِ حَبْل لِيَذِلّ وَيَنْقَاد، وَقَدْ يَتَمَانَع لِصُعُوبَتِهِ، فَإِذَا اِشْتَدَّ عَلَيْهِ وَآلَمَهُ اِنْقَادَ شَيْئًا، وَلِهَذَا قَالَ: الَّذِي يُصَانِع قَائِده. (فَخَرَجْت أُحْضِر): أَيْ أَعْدُو وَأَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا مبتعداً عنه صلى الله عليه وسلم.

طاعة جبل حراء:

عرفنا سابقاً بأنَّه ما من شيء بين السماء والأرض إلا وهو يعلم بأنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسولُ الله، وما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليطاع بإذن الله، فهذا جبل حراء، كما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَشْهَدُ عَلَى التِّسْعَةِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى الْعَاشِرِ لَمْ آثَمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ حِرَاءُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ الْعَاشِرُ؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا).

طاعته صلى الله عليه وسلم من نعم الله تعالى:

فطاعته صلى الله عليه وسلم من نعم الله تعالى على عبده، فالموفَّق من وفَّقه الله تعالى لطاعته، والسعيد من أسعده الله تعالى في طاعة حبيبه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}.

العاصي لأمره صلى الله عليه وسلم يستحقُّ الخلود في النار:

فمن حُرِم نعمة طاعته صلى الله عليه وسلم فقد حُرِم نعمة الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: (كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبى). قِيلَ: وَمَنْ يَأَبى يا رسول الله؟ قالَ: (منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبى) رواه البخاري .

ولهذا إذا ما حشر الناس يوم القيامة ورأى العاصي عقوبته وسببها، ورأى ثواب المؤمنين الطائعين، فإنه يندم على ما كان قد فرط منه، ويتمنَّى لو فعل خلاف المعصية، ولكن هيهات.

قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا}.

وكما قال تعالى أيضاً: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرأ من عمل من يعصيه:

والأشد من ذلك فقد أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرَّأ من عمل من يعصيه، قال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون}.

فهل يرضى المؤمن أن يتبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمله؟ وإذا تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل المؤمن فالمآل لا قدَّر الله إلى نار جهنم، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي) رواه البخاري ومسلم.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

لنكن حريصين على امتثال أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن في ذلك حياتنا الطيبة الكريمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}. فحياتنا الكريمة الطيبة باستجابتنا له صلى الله عليه وسلم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه أحمد. فمن أراد جنة الله فعليه بطاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تعالى جنة المعارف في الدنيا، وجنة الزخارف في الآخرة، فوفقنا اللهم للطاعة في سائر أحوالنا. آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

**     **     **