746ـ خطبة الجمعة: لماذا ساءت أخلاقنا أيام الغلاء؟

746ـ خطبة الجمعة: لماذا ساءت أخلاقنا أيام الغلاء؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ بَلَغَ مِنْ عِظَمِ مَكَانَةِ الأَخْلَاقِ في الإِسْلَامِ أَنْ حَصَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُهِمَّةَ بِعْثَتِهِ، وَغَايَةَ دَعْوَتِهِ، بِكَلِمَةٍ عَظِيمَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ، كَمَا كَانَ المَثَلَ الأَعْلَى وَالنَّمُوذَجَ الأَسْمَى للخُلُقِ الكَرِيمِ، وَحَسْبُنَا مِنْ ذَلِكَ ثَنَاءُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا كَمَا وَصَفَتْهُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا بِقَوْلِهَا: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد.

أَمَا آنَ أَنْ نَسْلُكَ سبِيلَهُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا آنَ أَنْ نَسْلُكَ سبِيلَهُ، وَنَتَرَسَّمَ خُطَاهُ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، وَقَدْ عَصَفَتْ بِنَا مَوْجَاتُ الفَسَادِ وَالفِتَنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأَعَاصِيرُ الشَّرِّ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَطَرِيقَةٍ؟

أَمَا آنَ أَنْ نَتَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إِنْ أَرَدْنَا الخَيْرَ وَالأَمَانَ وَالاسْتِقْرَارَ، وَرَفْعَ البَلَاءِ وَالغَلَاءِ وَالوَبَاءِ؟

أَمَا آنَ أَنْ نَسْمَعَ وَنَلْتَزِمَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟

قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِمَاذَا سَاءَتْ أَخْلَاقُنَا أَيَّامَ الغَلَاءِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيْنَ نَحْنُ مِن أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الفَتْرةِ التي تَعْصِفُ بِالأُمَّةِ فَتْرَةِ الغَلَاءِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لِمَاذَا سَاءَتْ أَخْلَاقُنَا أَيَّامَ الغَلَاءِ؟ هَلْ نَسِينَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا﴾؟

نَحْنُ في ابْتِلَاءٍ يُرِيدُ اللهُ تعالى مِنَّا الصَّبْرَ.

هَلْ نَسِينَا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا غَلَا السِّعْرُ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللهِ، سَعِّرْ لَنَا.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَاللهُ تعالى هُوَ القَابِضُ البَاسِطُ، الذي يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ عَلَى حَسَبِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَصْلَحَةِ العِبَادِ، يَبْسُطُهُ بِجُودِهِ، وَيَقْبِضُهُ بِعَدْلِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ.

يَا مَنْ يَشْكُو مِنَ الغَلَاءِ، هَلْ سَمِعْتَ الحَدِيثَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟».

قُلْنَا: لَا.

قَالَ: «فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ».

وَهَلْ سَمِعْتَ الحَدِيثَ الذي يَرْوِيهِ          الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ـ أَوْ لَيْلَةٍ ـ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟».

قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا».

مَا الذي حَصَلَ يَا عِبَادَ اللهِ؟ مَنْ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ تعالى مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ مَنْ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ تعالى مِنْ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ وَسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنُحَافِظْ عَلَى أَخْلَاقِنَا أَيَّامَ الغَلَاءِ، وَلْنَصْبِرْ وَلْنُصَابِرْ وَلْنَسْتَحْضِرْ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَخْلَاقَهُ أَيَّامَ الشَّدَائِدِ.

كَيْفَ كَانَ يَعِيشُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَكَيْفَ كَانَ يَعِيشُ كِسْرَى وَقَيْصَرُ؟ هَلْ هُنَاكَ مَجَالٌ للمُقَارَنَةِ؟

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَفْضَلُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَرْبِطُ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الجُوعِ، وَيَمْكُثُ الشَّهْرَيْنِ وَلَا تُوقَدُ في بَيْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّارُ، وَلَا يَدْخُلُ إلى بَيْتِهِ إِلَّا الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاءُ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ.

لِنَتَفَقَّدْ أَخْلَاقَنَا يَا عِبَادَ اللهِ في هَذِهِ الآوِنَةِ، فَهِيَ سِرُّ سَعَادَتِنَا دُنْيَا وَأُخْرَى، ولْنَحْذَرْ مِنْ شِكَايَةِ اللهِ تعالى إلى خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنَ الشِّكَايَةِ فَلْتَكُنْ شِكَايَتُنَا إلى اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ فَرَجًا قَرِيبًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 23/ جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 5/شباط / 2021م