9ـ مما خصه الله تعالى به لذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدنيا

9ـ مما خصه الله تعالى به لذاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدنيا

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ غَفَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَخَّرَ دَعْوَتَهُ المُسْتَجَابَةَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الخَلْقُ كُلُّهُمْ، وَأَعْطَاهُ اللهُ تعالى جَوَامِعَ الكَلِمَ، وَمَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، وَمَفَاتِيحَ الجَنَّةِ، وَأَكْرَمَهُ تعالى بِإِسْلَامِ قَرِينِهِ، فلَا يَأْمُرُهُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَنَصَرَهُ اللهُ تعالى بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَنَصَرَهُ بِالصِّبَا، وَشَهِدَ تعالى لَهُ بِالتَّبْلِيغِ، وَالرِّسَالَةِ، كَمَا شَهِدَ لَهُ المَلَائِكَةُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَخَصَّهُ تعالى بِالإِمَامَةِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْدَ حَشْرِهِمْ لَهُ في بَيْتِ المَقْدِسِ.

خَصَّهُ تعالى بِالإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى، فَمَا زَاغ بَصَرُهُ وَمَا طَغَى، وَمَا كَذَبَ فُؤَادُهُ مَا رَأَى، وَسَمِعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَرِيفَ الأَقْلَامِ، وَرَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وتعالى، وَأَعْطَاهُ انْشِقَاقَ القَمَرِ، وَرأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَجَعَلَ مَا بَيْنَ بَيْتِهِ وَمِنْبَرِهِ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَجَعَلَ قَوَائِمَ مِنْبَرِهِ رَوَاتِبَ في الجَنَّةِ ـ جَمْعُ رَاتِبَةٍ مِنْ رَتَبَ إِذَا انْتَصَبَ قَائِماً أَي أَنَّ الأَرْضَ الَّتِي هُوَ فِيْها مِنَ الَجنَّةِ فَصَارَتْ القَوائِمُ مَقَرُّهَا الجَنَّةُ ـ وَمِنْبَرَهُ عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الجَنَّةِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، وَأَعْطَاهُ الكَثِيرَ مِنَ الخَيْرَاتِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرْبٍ سَمِعَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أُبْلِغَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ.

جَعَلَهُ تعالى يَرَى مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَرَى مِنْ أَمَامِهِ، كَمَا جَعَلَ رُؤْيَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ حَقًّا، فَلَا يَتَمَثَّلُ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَمَنْ رَآهُ في المَنَامِ فَسَيَرَاهُ في اليَقَظَةِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَطْلَعَهُ تعالى عَلَى المُغَيَّبَاتِ، وَجَعَلَ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَضَاعَف أَجْرَ الكِتَابِيِّ إِذَا أَسْلَمَ، وَعُقُوبَتَهُ إِذَا تَنَكَّبَ، وَمَنَحَهُ تعالى بَعْضَ السُّوَرِ وَالآيَاتِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، وَتَمَنَّى الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَدَعَوْا أَنْ يَمُوتُوا عَلَى دِينِهِ الإِسْلَامِ، وَسَمَّاهُ اللهُ تعالى بِأَسْمَاءٍ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، وَهِيَ كَثِيرَةٌ.

جَعَلَ تعالى شَرِيعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاكِمَةً عَلَى جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَلَاطَفَهُ في كِتَابِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَأَعْطَاهُ في سُورَتَيِ الضُّحَى وَالانْشِرَاحِ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَوَضَعَ وِزْرَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ أَكْرَمَ الخَلْقِ عَلَيْهِ تعالى، وَخَصَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ بِعَدَدٍ مِنَ السُّوَرِ وَالآيَاتِ، وَجَعَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْثَرَ الأَنْبِيَاءِ مُعْجِزَاتٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الحَجَرُ، وَحَنَّ لَهُ الجِذْعُ، وَخَاطَبَهُ الشَّجَرُ، وَنَبَعَ المَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَثَّرَ لَهُ الطَّعَامَ، وَالمَاءَ، وَشَهِدَ لَهُ الحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالأَشْجَارُ، وَاسْتَجَابَتْ لِدَعْوِتِهِ.

أَظَلَّتْهُ المَلَائِكَةُ في سَفَرِهِ، وَكَانَتْ نُصْرَةً لَهُ، وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ يَوْمَ بِعْثَتِهِ، وَانْقَطَعَتِ الكَهَانَةُ، وَفَرَضَ تعالى عَلَى العَالَمِ طَاعَتَهُ، وَتَوَلَّى الرَّدَّ وَالإِجَابَةَ عَنْهُ، وَخَاطَبَهُ تعالى بِألْطَفِ مَا خَاطَبَ بِهِ رُسُلَهُ، وَلَو أَدْرَكَهُ نَبِيٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ وَنُصْرَتُهُ، وَلَنْ يُرِيَهُ اللهُ تعالى في أُمَّتِهِ مَا يَسُوءُهُ.

هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَبِيبُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، جَمَعَ لَهُ بَيْنَ الخُلَّةِ وَالمَحَبَّةِ، وَبَيْنَ الكَلَامِ وَالرُّؤْيَةِ، وَبَيْنَ القِبْلَتَيْنِ، وَبَيْنَ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ، كَلَّمَهُ تعالى فَوْقَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَجَعَلَ شَرْعَهُ نَاسِخًا لِكُلِّ الشَّرَائِعِ، يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يَنْسَخُهُ شَرْعٌ آخَرُ، وَجَعَلَ كِتَابَهُ مُعْجِزًا، مُهَيْمِنًا، مُيَسَّرًا للحِفْظِ، نَزَّلَهُ مُنَجَّمًا، وَعَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ.

فَضَّلَ تعالى بَلَدَهُ وَمُهَاجَرَهُ، وَحَرَّمَ مَدِينَتَهُ وَفَضَّلَهَا، وَجَعَلَ مَسْجِدَهُ آخِرَ مَسَاجِدِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَضَاعَفَ أَجْرَ الصَّلَاةِ فِيهِ، لَا يَدْخُلُ مَدِينَتَهُ الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ، وَصَرَفَ تعالى الحُمَّى عَنْهَا، وَجَعَلَ كَثِيرًا مِنْهَا في الجَنَّةِ، مِنْ رَوْضَتِهَا إلى أُحُدِهَا إلى ثَمَرِهَا، وَفَضَّلَ عَزَّ وَجَلَّ حُجْرَتَهَا الشَّرِيفَةَ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْمَالُ وَصَلَاةُ أُمَّتِهِ، وَأَحَلَّ لَهُ مَكَّةَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَهَا ـ:

جَعَلَهُ تعالى أَجْمَلَ النَّاسِ، وَجَعَلَ أَزْوَاجَهُ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُنَّ عَوْنًا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَضَاعَفَ أَجْرَهُنَّ، وَجَعَلَ بَنَاتِهِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ أَفْضَلَ النِّسَاءِ، وَذَكَرَ اسْمَهُ الشَّرِيفَ مَعَ اسْمِهِ تعالى في الشَّهَادَتَيْنِ، وَفي الأَذَانِ، وَجَعَلَهُ تعالى وَلِيًّا للمُؤْمِنِينَ، بَلْ جَعَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَيُخَاطَبُ في الصَّلَاةِ بِكَافِ الخِطَابِ، وَيُسْأَلُ المَيْتُ عَنْهُ في قَبْرِهِ، وَجَعَلَ صَلَاتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَكَنًا لَهُمْ، وَمُنَوِّرَةً لِقُبُورِهِمْ، وَوَصَفَهُ تعالى في كُلِّ المَقَامَاتِ العَلِيَّةِ بِالعَبْدِيَّةِ، وَأَضَافَهُ تعالى إِلَيْهِ، وَجَعَلَ تعالى كِتَابَهُ شِفَاءً للمُؤْمِنِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الغَافِلُونَ.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تُكْرِمَنَا بِالاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 3/رجب /1442هـ، الموافق: 15/ شباط / 2021م