24ـ البحث عن الوارث المحمدي

24ـ البحث عن الوارث المحمدي

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

البَحْثُ عَنِ الوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ:

مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةُ صُحْبَةِ الوَارِثِ الـمُحَمَّدِيِّ للتَّرَقِّي فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ، وَتَلَقِّي دُرُوسِ الآدَابِ وَالفَضَائِلِ، وَاكْتِشَافِ العُيُوبِ الخَفِيَّةِ وَالأَمْرَاضِ القَلْبِيَّةِ.

وَلَكِنْ قَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: كَيْفَ الاهْتِدَاءُ إِلَيْهِ، وَالوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ؟ وَمَا هِيَ شُرُوطُهُ وَأَوْصَافُهُ؟ فَنَقُولُ:

1ـ حِينَ يَشْعُرُ الطَّالِبُ بِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ كَشُعُورِ الـمَرِيضِ بِحَاجَتِهِ إِلَى الطَّبِيبِ عَلَيْهِ أَنْ يَصْدُقَ العَزْمَ وَيُصَحِّحَ النِّيَّةَ وَيَتَّجِهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِقَلْبٍ ضَارِعٍ مُنْكَسِرٍ، يُنَادِيهِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَيَدْعُوهُ في سُجُودِهِ وَأَعْقَابِ صَلَاتِهِ:

(اللَّهُمَّ دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَدُلُّنِي عَلَيْكَ، وَأَوْصِلْنِي إِلَى مَنْ يُوصِلُنِي إِلَيْكَ).

2ـ عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ فِي بَلَدِهِ وَيُفَتِّشَ وَيَسْأَلَ عَنِ الـمُرْشِدِ بِدِقَّةٍ وَانْتِبَاهٍ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ لِمَا يُشِيعُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ فَقْدِ الـمُرْشِدِ الـمُرَبِّي فِي هَذَا الزَّمَنِ.

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ.

2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، وَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَخْفِيَاءُ في زَمَانِهِمْ، فَحَرَمَهُمُ اللهُ بَرَكَتَهُمْ.

3ـ وَقَوْمٌ أَقَرُّوا الخُصُوصِيَّةَ في أَهْلِ زَمَانِهِمْ، مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِخُصُوصِيَّةِ السَّلَفِ، وَعَرَّفُوهُمْ، وَظَفِرُوا بِهِمْ، وَعَظَّمُوهُمْ؛ وَهُمُ السُّعَدَاءُ الذينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُرَحِّلَهُمْ إِلَيْهِ وَيُقَرِّبَهُمْ إِلَى حَضْرَتِهِ، وَفِي الحِكَمِ: (سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الدَّلِيلَ أَوْلِيَائِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوصِلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِ). وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْخَ التَّرْبِيَةِ انْقَطَعَ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللهِ تَعَالَى عَامَّةٌ، وَمُلْكَ اللهِ قَائِمٌ؛ وَالأَرْضُ لَا تَخْلُو مِمَّنْ يَقُومُ بِالحُجَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ) "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" لابن عجيبة ج1/ص77.

فَإِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدَاً في مَدِينَتِهِ فَلْيَبْحَثْ عَنْهُ في مُدُنٍ أُخْرَى، أَلَا تَرَى الـمَرِيضَ يُسَافِرُ إِلَى بَلْدَةٍ ثَانِيَةٍ للتَّدَاوِي إِذَا لَمْ يَجِدِ الطَّبِيبَ الـمُخْتَصَّ، أَو حِينَ يَعْجِزُ أَطِبَّاءُ مَدِينَتِهِ عَنْ تَشْخِيصِ دَائِهِ وَمَعْرِفَةِ دَوَائِهِ، وَمُدَاوَاةُ الأَرْوَاحِ تَحْتَاجُ إِلَى أَطِبَّاءَ أَمْهَرَ مِنْ أَطِبَّاءِ الأَجْسَامِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 22/ صفر الخير /1442هـ، الموافق: 9/تشرين الأول / 2020م