31ـ مكروهات الوضوء

31ـ مكروهات الوضوء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَوْعَانِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَهُوَ مَا كَانَ إلى الحَرَامِ أَقْرَبَ، وَتَرْكُهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ المُرَادُ عِنْدَهُمْ حَالَةَ الإِطْلَاقِ.

وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، أَيْ: خِلَافَ الأَوْلَى.

وَأَمَّا جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَوْعَيِ الكَرَاهَةِ، وَيُرَادُ بِهَا عِنْدَهُمْ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ.

وَالمَكْرُوهُ ضِدُّ المَحْبُوبِ، وَهُوَ كُلُّ أَمْرٍ لَا يَسْتَحْسِنُهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ.

مَكْرُوهَاتُ الوُضُوءِ:

أولًا: لَطْمُ الوَجْهِ، أَو غَيْرِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ:

نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ لَطْمِ الوَجْهِ أَو غَيْرِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ بِالمَاءِ، وَخُصَّ الوَجْهُ بِالذِّكْرِ لِمَا لَهُ مِنْ مَزِيدِ الشَّرَفِ.

يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ» رواه الإمام أحمد عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِيِّ، عَنْ أَبِيهِ.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثانيًا: التَّقْتِيرُ في الوُضُوءِ:

نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّقْتِيرُ في الوُضُوءِ، بِأَنْ يقْرُبَ إلى حَدِّ دَهْنِ الأَعْضَاءِ بِالمَاءِ، وَيَكُونَ التَّقَاطُرُ غَيْرَ ظَاهِرٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ غَسْلًا فِيمَا يُغْسَلُ بِيَقِينٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الثَّلَاثِ.

ثالثًا: الإِسْرَافُ في التَّوَضُّؤِ:

نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الإِسْرَافِ في التَّوَضُّؤِ، بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنَ المَاءِ فَوْقَ الحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لِمَا روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟».

قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟

قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ».

لِأَنَّهُ مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ المُوجِبِ للوَسْوَسَةِ، وفي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».

وَذَكَرَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ المَاءَ المَوْقُوفَ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ بِهِ، الإِسْرَافُ فِيهِ حَرَامٌ، لِأَنَّ المَاءَ يُوقَفُ وَيُسَاقُ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ الوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ.

رابعًا: تَثْلِيثُ المَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ:

نَصَّ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ.

خَامِسًا: الوُضُوءُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ:

يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ، لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ، لِذَا يَنْبَغِي التَّنَحِّي عَنِ المَكَانِ النَّجِسِ، لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةً.

سَادِسًا: تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ:

يُكْرَهُ لِلْمُتَوَضِّئِ تَرْكُ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا سُنَّ لَهُ فِعْلُهَا لِمَا يَسْتَقْبِل مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الوُضُوءِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَيُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ، وَيَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا نَعْلَمُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 2/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 19/تشرين الأول / 2020م