731ـ خطبة الجمعة: إذا نزعت الرحمة زالت الخيرية

731ـ خطبة الجمعة: إذا نزعت الرحمة زالت الخيرية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ مِيزَاتِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ في تَعَامُلِهِ مَعَ إِخْوَانِهِ المُؤْمِنِينَ الرَّحْمَةُ، قَالَ تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

إِذَا نُزِعَتِ الرَّحْمَةُ زَالَتِ الخَيْرِيَّةُ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّلُ عَادَ إِلَيْنَا لِيُذَكِّرَنَا بِنَبِيِّ الرَّحْمَةِ الذي قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

وَقَالَ عَنْ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِيُذَكِّرَنَا بِأَنَّا خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ عِنْدَمَا تَخَلَّقْنَا بِخُلُقِ الرَّحْمَةِ الذي تَخَلَّقَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ عَادَ شَهْرُ الرَبِيعِ مُذَكِّرًا لَنَا بِهَذَا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ رَحِيمًا بِخَلْقِ اللهِ جَمِيعًا، حَتَّى صُبَّتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تعالى الرَّحْمَةُ صَبًّا، حَتَّى صَارَ هُوَ الرَّحْمَةَ المُهْدَاةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ عَلَّمَ الأُمَّةَ التي قَالَ تعالى في حَقِّهَا: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ أَنَّ هَذِهِ الخَيْرِيَّةَ مُسْتَمِرَّةٌ فِينَا إِذَا كُنَّا مُتَرَاحِمِينَ، وَإِلَّا زَالَتِ الخَيْرِيَّةُ عَنَّا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَرَانَا في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ نَتَحَدَّثُ عَنْ صَاحِبِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَنَقُولُ بِمِلْءِ أَفْوَاهِنَا: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَرْحَمُ الخَلْقِ بِالخَلْقِ، فَهُوَ رَحِيمٌ بِأُمَّتِهِ، وَبِالأَطْفَالِ، وَبِالبَهَائِمِ وَالحَيَوَانَاتِ، وَرَحْمَتُهُ تَجَاوَزَتْ أَهْلَ عَصْرِهِ؛ كُلُّ هَذَا صَحِيحٌ، وَيُصَدِّقُهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

وَلَكِنْ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؟ أَيْنَ التَّرَاحُمُ بَيْنَنَا عَلَى جَمِيعِ المُسْتَوَيَاتِ، أَيْنَ رَحْمَةُ الرَّاعِي بِالرَّعِيَّةِ؟ وَأَيْنَ رَحْمَةُ الأَبَوَيْنِ بِالأَوْلَادِ؟ وَأَيْنَ رَحْمَةُ الأَوْلَادِ بِالآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ؟ وَأَيْنَ رَحْمَةُ الأَطِبَّاءِ بِالمَرْضَى؟ وَأَيْنَ رَحْمَةُ الأَغْنِيَاءِ بِالفُقَرَاءِ؟ وَأَيْنَ رَحْمَةُ المُعَلِّمِ بِالمُتَعَلِّمِ؟

أَيْنَ الرَّحْمَةُ بِشَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: بَلْ أَقُولُ وَبِكُلِّ صَرَاحَةٍ: أَيْنَ رَحْمَةُ الأُمَّةِ بِشَبَابِهَا وَشَابَّاتِهَا؟ لِمَاذَا لَا تُزَوِّجُ الأُمَّةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا؟

كَمْ كَانَ صَدَاقُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ مَا هُوَ فَرْشُ بَيْتِهَا؟ وَكَمْ كَانَ ذَهَبُهَا وَفِضَّتُهَا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ الرَّحْمَةِ بِشَبَابِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، إِلْغَاءُ الذَّهَبِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا مِنَ المَهْرِ، وَإِلْغَاءُ حَفْلَةِ التَّعَارُفِ، وَإِلْغَاءُ حَفْلَةِ تَلْبِيسِ الذَّهَبِ، وَإِلْغَاءُ حَفْلَةِ الزِّفَافِ، وَكَمْ وَكَمْ مِنْ أَمْوَالٍ تُصْرَفُ في هَذِهِ الحَفَلَاتِ؟

هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ مِنْ صُلْبِ عَقْدِ الزَّوَاجِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلْغَاءَ ذَلِكَ مِنْ حَيَاتِهِ في تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ مِنْ صَاحِبِ الدِّينِ وَالخُلُقِ المَسْتُورِ الحَالِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَرْحَمَ شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالحِجَابِ، وَبِسَتْرِ الوَجْهِ ـ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ حُكْمِ كَشْفِهِ ـ.

لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُلْزِمَ كُلُّ رَجُلٍ زَوْجَتَهُ وَبَنَاتِهِ بِالحِجَابِ الشَّرْعِيِّ، وَأَنْ لَا تَخْرُجَ المَرْأَةُ كَاسِيَةً عَارِيَةً مُتَبَرِّجَةً.

يَا عِبَادَ اللهِ: ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ؛ الوَاقِعٌ مَرِيرٌ وَقَاسٍ بِسَبَبِ نَزْعِ الرَّحْمَةِ مِنَ القُلُوبِ ـ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ فَإِذَا أَرَدْنَا الرَّحْمَةَ فَعَلَيْنَا بِالتَّرَاحُمِ، وَخَاصَّةَ الرَّحْمَةَ بِالشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، اتَّقُوا اللهَ تعالى فِيهِمْ، ارْحَمُوهُمْ إِكْرَامًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّزْوِيجِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُغِيثُ. العِبَادَ وَالبِلَادَ حِسًّا وَمَعْنًى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 6/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 23/تشرين الأول / 2020م