49ـ ﴿أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾

49ـ ﴿أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَتَعَلَّمُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُغِيثَنَا، وَلَكِنْ مَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ خِيرَةُ اللهِ تعالى، وَخِيرَةُ الله تعالى لَنَا خَيْرٌ مِنْ خِيرَتِنَا لِأَنْفُسِنَا، وَمَعَ هَذَا الاعْتِقَادِ يَجِبُ أَنْ نُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى، وَأَنْ نُحْسَنَ الظَّنَّ  بِاللهِ تعالى، وَأَنْ نَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى وَقَدَرَهُ هُوَ خَيْرٌ لَنَا، وَأَنْ نَصْبِرَ وَنَنْتَظِرَ الفَرَجَ، فَانْتِظَارُ الْفَرَجِ عِبَادَةٌ.

﴿أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ عَرَفَ اللهَ تعالى وَسَعَةَ رَحْمَتِهِ لَا يَمْلِكُ إِلَّا حُسْنَ الظَّنِّ بِرَبِّهِ، وَقَدْ تَجَلَّى هَذَا في سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَدْ صَبَرَ وَصَابَرَ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، وَانْتَظَرَ الفَرَجَ حَتَّى أَتَاهُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾.

نَعَمْ، وَاللهِ مَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ تعالى وَسَعَةَ رَحْمَتِهِ لَا يَمْلِكُ إِلَّا خِيَارًا وَاحِدًا، هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَبِّ العَالَمِينَ جَلَّ جَلَالُهُ، قَالَ الأَبْنَاءُ مَا قَالُوا لِأَبِيهِمْ، وَلَكِنْ مَا عَرَفَ أَبُوهُمُ اليَأْسَ وَلَا القُنُوطَ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ.

قَالَ تعالى وَهُوَ يُحَدِّثُنَا عَنِ الفَرَجِ الذي نَالَهُ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

قِيلَ: إِنَّ البَشِيرَ هُنَا أَخُوهُ الأَكْبَرُ، قَالَ: إِنَّنِي كَمَا عَذَّبْتُهُ في الأَوَّلِ بِقَمِيصٍ يَوْمَ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ، أُحْسِنُ إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِقَمِيصِ يُوسُفَ في هَيْئَةِ البِشَارَةِ ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾. وَهُنَا أَخَذَ أَهْلُ العِلْمِ أَنَّ وَقْعَ قَمِيصِ يُوسُفَ عَلَى أَبِيهِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ وَقْعًا عَظِيمًا، كَوَقْعِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ أُرْجِعَ إلى أُمِّهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَشَمَّ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا عَبَقَ مِنَ القَمِيصِ مِنْ رَائِحَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ مَسِيرَةِ أَيَّامٍ، وَهِيَ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ.

يَقُولُ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَوْصَلَ اللهُ تعالى رِيحَ قَمِيصِ يُوسُفَ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا أَوْصَلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ إلى سُلَيْمَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرْفُهُ.

﴿إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ أَنِ ارْتَدَّ لِسَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَصَرُهُ، قَالَ لِأَبْنَائِهِ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

نَعَمْ، لَقَدْ عَلِمَ مِنَ اللهِ تعالى مَا لَا يَعْلَمُونَ، فَرَزَقَهُ اللهُ تعالى الصَّبْرَ وَالدُّعَاءَ وَالثَّبَاتَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، لِمَا تَعَلَّمَ مِنَ اللهِ تعالى، لَقَدْ قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾. فَعَبَرَتِ الغُمَّةُ وَزَالَتْ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَسْتَفِيدُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ اللهَ تعالى يُعَامِلُ العِبَادَ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهِمْ بِالغَيْبِ، وَعَلَى قَدْرِ يَقِينِهِمْ بِوَعْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّهِ أَنَّهُ سَيَجْمَعُهُ بِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَو بَعْدَ حِينٍ.

وَلَقَدْ كَانَتْ أُمُّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى يَقِينٍ بِعَوْدَةِ وَلَدِهَا إِلَيْهَا، فَأَلْقَتْهُ في اليَمِّ بِيَقِينِهَا بِاللهِ تعالى الذي أَوْحَى إِلَيْهَا ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.

نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى مِثْلِ هَذَا اليَقِينِ في هَذِهِ الأَزَمَاتِ.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 9/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 26/ تشرين الأول / 2020م