10ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله رحمة (1)

10ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله رحمة (1)

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ جَعَلَ نَبِيَّهُ المُصْطَفَى الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ رَافِعٌ الإِصْرَ وَالأَغْلَالَ التي كَانَتْ مَوْجُودَةً في الأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى، وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في غَايَةِ الخُلُقِ الرَّفِيعِ، وَالتَّوَاضُعِ المُتَنَاهِي، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَظًّا وَلَا غَلِيظًا، بَلْ هُوَ خَافِضُ الجَنَاحِ للمُؤْمِنِينَ.

كَمَا جَعَلَ دِينَهُ رَحْمَةً، دِينَ اليُسْرِ وَالسَّمَاحَةِ، وَالعَفْوِ وَالصَّفْحِ.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَبُعِثَ بِالرَّحْمَةِ، وَهُوَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، فَكَانَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، مُهْدَاةً مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ.

كَمَا جَاءَتِ الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَأَنَّ اللهَ تعالى أَهْدَى هَذِهِ الرَّحْمَةَ لِعِبَادِهِ.

لَا يُوجَدُ في الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ يُدَانِيهِ في الرَّحْمَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مُعْظَمُ الخَلْقِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ لَا يُدَانِي وَلَا يُقَارِبُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في رَحْمَتِهِ بِالبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، بِدُونِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، فَهُوَ رَحِيمٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ جَمِيعًا بِمَا فِيهِمُ الكُفَّارُ الأَعْدَاءُ وَالمُعَانِدُونَ، بَلْ حَتَّى الذينَ آذَوْهُ، أَو حَاوَلُوا قَتْلَهُ وَاغْتِيَالَهُ.

هَذَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، دَعَا عَلَى قَوْمِهِ الذينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ بِالهَلَاكِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ أَنْ أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَى أَنَّهُمْ لَنْ يُؤْمِنُوا ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. فَقَالَ تعالى مُخْبِرًا عَنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾. فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهُ دَعْوَتَهُ، فَكَانَ الطُّوفَانُ.

وَأَمَّا مَوْقِفُ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ البَشَرِ جَمِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ فَوَاضِحٌ، أَنَّهُ سَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا إلى غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ويَسْأَلُ نَجَاةَ نَفْسِهِ، كَمَا جَاءَ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟

فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمَّا الحَبِيبُ المُصْطَفَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامًا، لَمْ يَدْعُ عَلَى أُمَّتِهِ بِالهَلَاكِ، بَلْ رَفَضَ أَنْ يُوقِعَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمُ العَذَابَ، وَرَجَا أَنْ يُبْقِيَهُمْ اللهُ تعالى، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، آمَنَ الجِيلُ الذي يَلِي المُعَانِدِينَ أَو مَنْ بَعْدَهُمْ.

لَمَّا خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّائِفِ، بَعْدَ أَنْ فَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا، مِنْ ضَرْبٍ وَسَفْكِ دَمٍ، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَعَهُ مَلَكُ الجِبَالِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ مَلَكَ الجِبَالِ أَنْ يُطِيعَهُ، وَتَقَدَّمَ مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ (جَبَلَيْ مَكَّةَ).

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (صَاحِبُ الرَّحْمَةِ العُظْمَى): «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

هَذَا في الدُّنْيَا؛ أَمَّا في الآخِرَةِ، فَحَدِّثْ بِدُونِ حَرَجٍ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ العُظْمَى؛ أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُدْخِلَنَا في شَفَاعَتِهِ. آمين.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَهَا ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا وَمُصْلِحًا، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُنْ صَاحِبَ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ عَلَى خَلْقِ اللهِ تعالى جَمِيعًا، كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ رَحْمَةً، وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تُنْزَعُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَخَافُ عَلَى قَوْمِهِ مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ العَذَابِ، فَظَهَرَتْ رَحْمَتُهُ فِيهِمْ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَعَاهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَعَلَانِيَةً، كَمَا قَالَ تعالى عَنْهُ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا﴾؟

صَبَرَ عَلَيْهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَلَكِنْ بِدُونِ جَدْوَى؛ لَقَدْ كَانَ بِهِم رَحِيمًا خِلَالَ هَذِهِ المُدَّةِ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ.

أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَا دَعَا عَلَى قَوْمِهِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُ رَحْمَةٌ، جَزَاهُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. آمين.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تَجْمَعَنَا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في كُلِّ العَوَالِمِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 10/ذو القعدة /1442هـ، الموافق: 21/ حزيران / 2021م