178ـ حتى تنقلب العداوة صداقة

178ـ حتى تنقلب العداوة صداقة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَيَاتُنَا كُلُّهَا للهِ تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. لَقَدْ خُلِقْنَا لِعِبَادَتِهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَنْسَى قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

هَذِهِ الدُّنْيَا الفَانِيَةُ تُلْهِي وَتُطْغِي وَتُنْسِي النَّاسَ مَا لِأَجْلِهِمْ خُلِقُوا، أَمَّا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ فَهُوَ عَلَى ذِكْرٍ دَائِمٍ للغَايَةِ التي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا، لِذَلِكَ تَرَاهُ إِذَا أَقْبَلَتْ مَوَاسِمُ الخَيْرَاتِ وَمَوَاسِمُ العِبَادَاتِ فَرِحَ وَانْشَرَحَ صَدْرُهُ لَهَا، وَاعْتَبَرَ المَوَاسِمَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ جَمِيعًا.

أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ هَذِهِ المَوَاسِمِ التي تُفْرِحُ قَلْبَ العَابِدِ، وَتَشْرَحُ صَدْرَ العَارِفِ بِاللهِ تعالى، عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ التي أَقْسَمَ اللهُ تعالى بِهَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾.

بِمِثْلِ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ يَسُدُّ العَابِدُ الخَلَلَ، وَيَسْتَدْرِكُ النَّقْصَ، وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، وَيَسْتَجِيبُ لِأَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَقَدْ قَالَ فِيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ».

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وفي رِوَايَةٍ للدارمي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى».

قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُكْثِرْ في هَذِهِ الأَيَّامِ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهَذِهِ الأَذْكَارُ مَشْمُولَةٌ في صَلَاةِ التَّسَابِيحِ، فَلْيُحَافِظِ العَبْدُ عَلَيْهَا مَا اسْتَطَاعَ إلى ذَلِكَ سَبِيلًا.

وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الطَّيِّبَةِ في هَذِهِ العَشْرِ الصِّيَامُ، روى أبو داود عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ.

وَصِيَامُ النَّافِلَةِ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ، روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».