771ـ خطبة عيد الأضحى المبارك: اجعل مالك نعمة لك لا نقمة عليك

771ـ خطبة عيد الأضحى المبارك: اجعل مالك نعمة لك لا نقمة عليك

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: النَّاسُ عَلَى قِسْمَيْنِ في أَمْوَالِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ وَمَبْلَغَ عِلْمِهِ، فَلَا يُبَالِي أَجَمَعَهَا مِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ.

وَقِسْمٌ جَعَلَ هَمَّهُ الآخِرَةَ، فَهُوَ يَتَحَرَّى الحَلَالَ في كَسْبِهِ، فَيَجْمَعُ المَالَ مِنْ حِلِّهِ، وَيَضَعُهُ في مَحَلِّهِ، فَهَذَا العَبْدُ في خَيْرِ المَنَازِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ، كَمَا أَخْبَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هَذَا القِسْمُ مِنَ النَّاسِ كَانَ عَلَى حَذَرٍ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ» رواه الحاكم والترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا القِسْمُ مِنَ النَّاسِ سَمِعَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟».

لَمْ يَبْخَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا القِسْمُ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَبْخَلْ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَسْرَعَ إلى مَرْضَاةِ اللهِ تعالى في مَالِهِ الذي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهِ، وَتَأَسَّى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَامَ بِنَحْرِ أُضْحِيَتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ العِيدِ مُبَاشَرَةً.

روى الشيخان عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ».

وَثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا القِسْمُ مِنَ النَّاسِ أَسْرَعَ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ في التَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى، ألَا وَهِيَ نَحْرُ الأَضَاحِي، روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».

هَذَا القِسْمُ مِنَ النَّاسِ أَحْيَا سُنَّةَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلى مَنْ يَدْعُونَ الأُمَّةَ لِتَرْكِ هَذَا الوَاجِبِ أَو هَذِهِ السُّنَّةِ المُؤَكَّدَةَ، وَذَلِكَ بِصَرْفِ قِيمَةِ الأَضَاحِي للفُقَرَاءِ.

هَؤُلَاءِ النَّاسُ كَانُوا رِجَالًا صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا، وَجَعَلُوا فَرَحَهُمْ يَوْمَ العِيدِ بِطَاعَتِهِمْ لِمَوْلَاهُمْ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾. جَعَلُوا فَرَحَهُمْ بِامْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِمْ، فَأَقْدَمُوا عَلَى أَحَبِّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى في يَوْمِ النَّحْرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: اسْتَغِلُّوا نِعْمَةَ المَالِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الذي رَزَقَكُمُ المَالَ، فَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى في هَذَا اليَوْمِ نَحْرُ الأَضَاحِي، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الثلاثاء: 10/ ذو الحجة /1442هـ، الموافق: 20/تموز / 2021م