7ـ عيناه الشريفتان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

7ـ عيناه الشريفتان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الْعَيْنُ تَرْجُمَانُ الْقَلْبِ، تَتَحَدَّثُ عَنْهُ بِأَصْدَقِ لِسَانٍ، وَتُعَبِّرُ عَمَّا فِيهِ بِأَبْلَغِ بَيَانٍ، فَهِيَ الْمِرْآةُ الَّتِي تَعْكِسُ مَا يَطْوِيهِ مِنْ شُعُورٍ وَإِحْسَاسَاتٍ، وَمَا تَتَزَيَّنُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ أَخْلَاقٍ وَصِفَاتٍ، وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنْ أَحْوَالٍ وَانْفِعَالَاتٍ، ولَقَدْ عَدَّدَتِ الْعَرَبُ أَنْوَاعَ الْعُيُونِ فَقَالَتْ:

دَعْجَاءُ: إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ شَدِيدَةَ السَّوَادِ مَعَ الاتِّسَاعِ.

شَهْلَاءُ: إِذَا كَانَ فِي سَوَادِهَا حُمْرَةٌ.

نَجْلَاءُ: إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ وَاسِعَةً.

وَطْفَاءُ: إِذَا كَانَتْ طَوِيلَةَ الْأَشْفَارِ.

كَحْلَاءُ: إِذَا كَانَتْ جُفُونُهَا سَوْدَاءَ.

حَوْرَاءُ: إِذَا اشْتَدَّ سَوَادُهَا وَبَيَاضُهَا.

أَمَّا عُيُونُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَدْ شَرَحَتْ كُلَّ جَمَالٍ رَأَتْهُ الْعُيُونُ...

وكان جَمَالُ عَيْنَيْهِ ﷺ مظهراً وَصُوَرةً عَن جَمَالِ قَلْبِهِ المباركِ، فَكَانَ صَفِيَّ الْقَلْبِ، رَضِيَّ النَّفْسِ، مُشْرِقَ الْفُؤَادِ، تَعْكِسُ عَيْنَاهُ مَا يَعْتَرِي نَفْسَهُ وَقَلْبَهُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْأَحْدَاثِ، إِنْ فَرَحًا أَوْ حُزْنًا ...

عَيْنَاهُ الشَّرِيفَتَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَقُولُ عُيُونٌ رَأَتْ جَمَالَ عُيُونِ رَسُولِ اللهِ ﷺ:

كَانَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ وَاسِعَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ، شَدِيدَتَيْ سَوَادِ الْحَدَقَةِ، فِيهِمَا حُمْرَةٌ ـ وَقِيلَ: إِنَّ الْحُمْرَةَ فِي بَيَاضِ عَيْنَيْهِ ـ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ t: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُشْرَبَ العَيْنِ بِحُمْرَةٍ. رواه الإمام أحمد.

وَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ ﷺ، فَقَدْ سَأَل نَسْطُورَا الرَّاهِبُ مَيْسرةَ يَوْمَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي تِجَارَةِ الشَّامِ لِلسَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَفِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ؟

قَالَ: نَعَمْ، لَا تُفَارِقُهُ.

قَالَ: هُوَ نَبِيٌّ، وَهُوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ.

وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي صُورَةِ الْجَمَالِ: (أَشْهَلُ الْعَيْنَيْنِ) يَقُولُ جَابِرٌ t: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ. رواه ابن حبان.

وَكَانَ ﷺ أَدَعَجَهُمَا ـ أَيْ: شَدِيدَ سَوَادِ العَيْنَيْنِ ـ.

وَكَانَتْ رُمُوشُ عَيْنَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ طَوِيلَةً، وَهُوَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْها فِي لُغَةِ الْعُيُونِ (أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ) يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ t: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَدْعَجَ العَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الأَشْفَارِ. رواه الترمذي.

وَكَانَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ كَحْلَاوَتَيْنِ نَجْلَاوَتَيْنِ ـ أَيْ: وَاسِعَتَيْنِ ـ يَقُولُ سَيِّدُنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ t: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ رَسول الله ﷺ قُلتُ: أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ؛ وَليْسَ بِأَكْحَلَ. رواه الترمذي.

بِالعَيْنَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ كَانَ يَرَى مَا لَا يَرَاهُ الآخَرُونَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرَى بِعَيْنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ يَرَى بِاللَّيْلِ في الظُّلْمَةِ كَمَا كَانَ يَرَى بِالنَّهَارِ في الضَّوْءِ، روى البيهقي في الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ ـ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ يَرَى بِاللَّيْلِ في الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى بِالنَّهَارِ في الضَّوْءِ. كذا في كنز العمال.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ الصُّفُوفَ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي».

ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا، فَوَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلاَ رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ u؛  يَقُولُ سَيِّدُنَا ابْنُ مَسْعُودٍ t: رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ. رواه الإمام أحمد.

وَهُوَ الذي يَرَى النُّجُومَ الخَافِيَهْ   ***   مُبَيَّنَاتٍ في السَّمَاءِ العَالِيَهْ

أَحَــدَ عَــشَـرَ نَـجْـمًا في الثُّرَيَّا    ***   لِـنَـاظِرٍ سِـــوَاهُ مَا تَهَيَّا

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: بَكَى خَشْيَةً للهِ تعالى، وَقَلَّبَ الطَّرْفَ فِي آلَاءِ اللهِ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: تَوَاضَعَ وَخَفَضَ جَنَاحَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلَ من نَظَرِهِ إلى السَّمَاءِ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: رَأَى أَصْحَابَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَقَالَ ﷺ: «وَاللهِ لأُبْصِرُ من وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: نَظَرَ إِلَى الدَّاعِينَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، وَلَمْ تَعْدُ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: كَانَ يَرَى مَا لَا يَرَى غَيْرُهُ، فَرَأَى الْجَنَّةَ، وَرَأَى النَّارَ، وَرَأَى المَلائِكَةَ، وَرَأَىَ الْجِنَّ، وَرَأَى عَوَالِمَ اللهِ المُغَيَّبَةَ عَنِ النَّاسِ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: نَظَرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَلَمْ يَزِغْ بَصَرُهُ وَلَمْ يَطْغَ، بَلْ ثَبَتَ، وَتَلَقَّى مِنْ أَنْوَارِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ.

بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ: رَأَى مَا سَتَؤُولُ إِلَيْهِ أُمَّتُهُ عَبْرَ مَرِّ الزَّمَانِ، فَقَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رَبَّاهُ لَا تَحْرِمْنَا رُؤْيَةَ بَرِيقِ الرِّضَا فِي عَيْنَيْهِ ﷺ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 25/ ذو الحجة /1442هـ، الموافق: 4/ آب / 2021م