786ـ خطبة الجمعة: مكانة الصحابة في القرآن العظيم

786ـ خطبة الجمعة: مكانة الصحابة في القرآن العظيم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنِ احْتَفَلْتُمْ بِذِكْرَى مَوْلِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُكُومَةً وَشَعْبًا، وَأَظْهَرْتُمْ فَرْحَتَكُمْ وَحُبَّكُمْ لِهَذَا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْجَمْتُمْ عَنْ هَذَا الحُبِّ بِالكَلِمَاتِ الطَّيِّبَةِ العَذْبَةِ، وَبِالمَدِيحِ السَّامِي الرَّاقِي، وَبِإِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى وَالصَّدَقَاتِ؛ إِنَّهُ لَشَيْءٌ حَسَنٌ، وَنَرْجُو اللهَ تعالى القَبُولَ.

وَلَكِنْ يَا عِبَادَ اللهِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَى هَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ العَظِيمَةِ التي خَلَقَهَا اللهُ تعالى فَأَبْدَعَهَا خَلْقًا وَخُلُقًا وَكَمَالًا، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَيْهَا مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، مِنْ خِلَالِ كَلَامِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ ذَكَرَ صِفَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَكَمَالَاتِهِ في القُرْآنِ العَظِيمِ، لِيَكُونَ أُسْوَةً وَقُدْوَةً لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا.

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ إِذَا جَاءَ أَمْرٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ كَانَ أَوَّلَ المُؤْتَمِرِينَ بِهِ، وَإِذَا جَاءَ نَهْيٌ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ المُنْتَهِينَ عَنْهُ، وَإِذَا جَاءَ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِبَعْضِ خَلْقِ اللهِ تعالى كَانَ أَوَّلَ المُعَظِّمِينَ لَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ اللهُ مَنْزِلَةَ قَوْمٍ عِنْدَهُ، أَنْزَلَهُمْ مَنْزِلَتَهُمْ.

لَو رَجَعْنَا إلى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَظَرْنَا فِيهِ نَظْرَةَ المُدَقِّقِ، لَوَجَدْنَا رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُعَظِّمُ وَيَرْفَعُ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

لَقَدْ بَلَغَ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ تعالى للصَّحْبِ الكِرَامِ أَنَّهُمْ ذُكِرُوا في التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَوَعَدَهُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى وَأَجْرًا عَظِيمًا؛ وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ قَوْلُهُ: ﴿مِنْهُمْ﴾ لِيُخْرِجَ المُنَافِقِينَ الذينَ كَانُوا في الظَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ تعالى مِنَ الكَاذِبِينَ، قَالَ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

لَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ تعالى العَزِيزُ الغَفَّارُ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَأَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.

أَثْبَتَ لَهُمُ الصِّدْقَ في القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَهَذَا خَبَرٌ، وَالخَبَرُ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ، كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ.

وَأَمَّا الأَنْصَارُ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُمُ الفَلَاحَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾. خَبَرٌ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. خَبَرٌ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾. خَبَرٌ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ.

مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ في حَقِّ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الفَتْحِ وَبَعْدَ الفَتْحِ: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى﴾. خَبَرٌ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ عَلِمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَةَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عِنْدَ اللهِ تعالى، فَأَنْزَلَهُمْ مَنْزِلَتَهُمْ، وَأَوْصَى الأُمَّةَ أَنْ يَعْرِفُوا قَدْرَهُمْ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِتَعْظِيمِ مَنْ عَظَّمْتَهُ في كِتَابِكَ، وَتَقْدِيرِ مَنْ أَوْصَى فِيهِمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 23/ ربيع الأول /1443هـ، الموافق: 29/ تشرين الأول / 2021م