8ـ كحله الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

8ـ كحله الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حِفْظِ صِحَّةِ العَيْنِ، ما رواه أبو داود عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ (المُطَيَّبِ بِالمِسْكِ) عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ».

اكْتِحَالُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكْتَحِلُ، روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ.

وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو البَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ مِكْحَلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ، وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ.

وروى البيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اكْتَحَلَ يَجْعَلُ فِي الْعَيْنِ الْيُمْنَى ثَلَاثَةَ مَرَاوِدَ وَفِي الْيُسْرَى مِرْوَدَيْنِ يَجْعَلُهُ وِتْرًا.

وروى البيهقي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ كُحْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ يَكْتَحِلُ فِي الْيَمِينِ ثِنْتَيْنِ، وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً بَيْنَهُمَا. أَيْ: جَعَلَ في كُلِّ عَيْنٍ مِرْوَدَيْنِ، وَوَاحِدًا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، فَالمَجْمُوعُ وِتْرٌ، وَهُوَ خَمَسَةُ مَرَاوِدَ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اكْتَحَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْتَحِلْ وِتْرًا، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا» يَعْنِي: إِذَا تَبَخَّرَ بِنَحْوِ عُودٍ تَبَخَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسُمِّيَ التَّبَخُّرُ اسْتِجْمَارًا لِأَنَّ العُود يُوضَعُ عَلَى الجَمْرِ.

وَلَيْسَ المَقْصُودُ هُنَا الاسْتِنْجَاءَ، لِأَنَّ الحَدِيثَ يَتَحَدَّثُ عَنِ التَّجَمُّلِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ بِالاكْتِحَالِ بِاليُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِهَا تَفْضِيلًا لَهَا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ.

وَأَحْيَانًا يَكْتَحِلُ في اليُمْنَى ثِنْتَيْنِ، وَفي اليُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ في اليُمْنَى لِيَخْتِمَ بِهَا، وَيُفَضِّلَهَا عَلَى اليُسْرَى بِوَاحِدَةٍ.

وَرِوَايَاتُ الاكْتِحَالِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَفِي أَيِّهَا أَخَذَ المُسْلِمُ أَصَابَ السُّنَّةَ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَارِقُهُ الكُحْلُ في الحَضَرِ وَلَا في السَّفَرِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَمْسٌ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُنَّ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ: الْمِرْآةُ، وَالْمِكْحَلَةُ، وِالْمُشْطُ، وَالْمِدْرَى، وَالسِّوَاكُ.

الْمِدْرَى: شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ حَدِيدٍ أَو خَشَبٍ عَلَى شَكْلِ سِنٍّ مِنَ أَسْنَانِ المِشْطِ أَطْوَلُ مِنْهُ، يُسَرَّحُ بِهِ الشَّعْرُ المُتَلَبِّدُ.

وَمِمَّا تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ الحَبِيبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ، يقولُ سَيِّدُنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ. رواه الترمذي.

وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكْتَحِلُ:

لِأَنَّهُ النَّبِيُّ الْقُدْوَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلِفَوَائِدِ الاكْتِحَالِ.

وَلِأَنَّهُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْحُسْنِ وَالجَمَالِ.

وَلِيَأْخُذَ الاكْتِحَالُ نَصِيبَهُ مِنَ الْجَمَالِ المُحَمَّدِيِّ الأَخَّاذِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ».

وفي رواية للطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ مُنْبِتَةٌ للشِّعْرِ، مُذْهِبَةٌ لِلْقَذَا، مُصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ».

فَالاكْتِحَالُ بِالإِثْمِدِ لَهُ فَوائِدُ:

يُسَاعِدُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ ضَعْفِ النَّظَرِ، وَيُقَوِّيهِ.

يُسْتَخْدَمُ فِي عِلَاجِ الْتِهَابَاتِ الْعُيُونِ.

يَقْتُلُ الْجَرَاثِيمَ وَالطُّفَيْلِيَّاتِ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لَهَا الْعَيْنُ.

يُنْبِتُ الرُّمُوشَ وَيَزِيدُ قُوَّتَهَا.

أَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ تَجْلُوَ أَبْصَارَنَا وَبَصَائِرَنَا. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 10/ محرم /1443هـ، الموافق: 18/ آب / 2021م