40ـ تلاقي الأموات في عالم البرزخ

40ـ تلاقي الأموات في عالم البرزخ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانِ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

تَلَاقِي الأَمْوَاتِ في عَالَمِ البَرْزَخِ

وَتَسَاؤُلُهُمْ وَتَزَاوُرُهُمْ

روى ابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ ـ وَفي رِوَايَةٍ: إِذَا حُضِرَ ـ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَتَقُولُ: اخْرُجِي إِلَى رَوْحِ اللهِ».

وَفي رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ حِبَّانَ: «اخْرُجِي ـ أَيَّتُهَا النَّفْسُ ـ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً عَنْكِ، إِلَى رَوْحِ اللهِ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ ـ أَيْ: الرُّوحُ ـ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشُمُّونَهُ.

حَتَّى يَأْتُوا بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ ـ أَيْ: أَهْلُ السَّمَاءِ ـ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ؟ فَكُلَّمَا أَتَوْا سَمَاءً قَالُوا ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ».

قَالَ: «فَلَهُمْ أَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ».

قَالَ: «فَيَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟».

قَالَ: «فَيَقُولُونَ ـ أَيْ: المَلَائِكَةُ الذينَ مَعَهُ ـ: دَعُوهُ ـ اتْرُكُوهُ ـ حَتَّى يَسْتَرِيحَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا.

فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ـ أَيْ: المَيْتُ ـ: أَمَا أَتَاكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ؟ ـ أَيْ: فُلَانُ الذي سَأَلْتُمْ عَنْهُ قَدْ مَاتَ ـ».

قَالَ: «فَيَقُولُونَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ».

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ـ أًيْ: تَكْفِينَهُ ـ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ، فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ، وَيَتَزَاوَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ».

عَزَاهُ في الجَامِعِ الصَّغِيرِ إلى العُقَيْلِيِّ والخَطِيبِ وَسَمُّويه، وقد رواه الخطيب أَيضًا من حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ في اللِّسَانِ عن العقيلي: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ كما في فيض القدير.

وروى الإمام أحمد عَنْ أُمِّ هَانِئٍ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَتَزَاوَرُ إِذَا مِتْنَا وَيَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النَّسَمُ ـ أَيْ: الأَرْوَاحُ ـ طَيْرًا تَعْلُقُ بِالشَّجَرِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا».

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَدَتْ ـ أيْ: حَزِنَتْ ـ عَلَيْهِ أُمُّ بِشْرٍ وَجْدًا شَدِيدًا.

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا يَزَالُ الْهَالِكُ يَهْلِكُ ـ أَيْ: يَمُوتُ ـ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَهَلْ يَتَعَارَفُ الْمَوْتَى فَأُرْسِلُ إِلَى بِشْرٍ بِالسَّلَامِ؟ أَيْ: مَعَ الذينَ يَمُوتُونَ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا أُمَّ بِـشْرٍ، إِنَّهُمْ لَيَتَعَارَفُونَ كَمَا تَتَعَارَفُ الطَّيْرُ فِي رُؤُوسِ الشَّجَرِ».

وَكَانَ لَا يَهْلِكُ ـ أَيْ: لَا يَمُوتُ ـ هَالِكٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ إِلَّا جَاءَتْهُ أُمُّ بِشْرٍ فَقَالَتْ: يَا فُلَانُ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَيَقُولُ: وَعَلَيْكِ فَتَقُولُ: اقْرَأْ عَلَى بِشْرٍ السَّلَامَ.

فَكَانَتْ تُرْسِلُ السَّلَامَ مَعَ الأَمْوَاتِ إلى وَلَدِهَا.

هَذَا وَإِنَّ أَكْرَمَ الزَّائِرِينَ هُمُ الذينَ يَمُنُّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِزِيَارَةِ أَكْرَمِ خَلْقِ اللهِ تعالى عَلَى اللهِ تعالى، وَهُمُ الذينَ يَجْتَمِعُونَ بِهِ، وَيَلْقَوْنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُونَ مَعَهُ مُرَافِقِينَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ﴾.

فَنَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ: أَنْ يَجْمَعَنَا مِنْ فَضْلِهِ بِصَاحِبِ الخُلُقِ العَظِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ العَوَالِمِ.

وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بِلَالَ بْنَ رَبَاحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، جَعَلَتْ زَوْجَتُهُ تَقُولُ: وَاحُزْنَاهُ.

وَجَعَلَ يَقُولُ: وَاطَرَبَاهُ، غَدًا أَلْقَى الأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِزْبَهُ. اهـ.

فَبِلَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَسْتَبْشِرُ بِأَنْ يَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَجْتَمِعَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ في البَرْزَخِ، كَمَا كَانَ يَجْتَمِعُ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في عَالَمِ الدُّنْيَا.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 25/ محرم /1443هـ، الموافق: 2/ أيلول / 2021م