32ـ انتفاع الأموات بالأعمال الصالحة

32ـ انتفاع الأموات بالأعمال الصالحة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

انْتِفَاعُ الأَمْوَاتِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالأَقْوَالِ الطَّيِّبَةِ

التي يُهْدِيهَا إِلَيْهِمُ الأَحْيَاءُ

إِنَّ ثَوَابَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالأَقْوَالِ الطَّيِّبَةِ التي يُهْدِيهَا أَحْيَاءُ الدُّنْيَا لِأَهلِ البَرْزَخِ، هِيَ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِمْ لَا مَحَالَةَ، وَهِيَ تَنْفَعُهُمْ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

فَلَقَدْ مَدَحَ اللهُ تعالى الذينَ اسْتَغْفَرُوا للمُؤْمِنِينَ قَبْلَهُمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللهِ تعالى، وَهُوَ يَنْفَعُ الأَمْوَاتَ قَبْلَهُمْ.

وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالصَّلَاةِ عَلَى المَيْتِ وَالدُّعَاءِ لَهُ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَيَزِيدُ في ثَوَابِهِ.

روى أَصْحَابُ السُّنَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ».

كَمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِالدُّعَاءِ للأَمْوَاتِ عِنْدَ زِيَارَةِ قُبُورِهِمْ.

روى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إلى المَقَابِرِ أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ».

وَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾.

فَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تعالى يَنْفَعُ الأَبْنَاءَ بِعَمَلِ الآبَاءِ، فَيُلْحِقُ الأَبْنَاءَ المُقَصِّرِينَ بِآبَائِهِمُ المُقَرَّبِينَ، تَكْرِمَةً لِإِيمَانِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَهُمْ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا.

كَمَا روى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَظُنُّهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ سَأَلَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ.

فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا دَرَجَتَكَ وعَمَلَكَ.

فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ، فَيُؤْمَرُ بإِلْحاقِهِمْ بِهِ».

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ الآيَةَ.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ.

فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذَا؟

فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ».

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 27/ رجب /1442هـ، الموافق: 11/ آذار / 2021م