202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

202ـ إفاضة القبر الشريف بالأسرار والأنوار

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

إِفَاضَةُ القَبْرِ الشَّرِيفِ بِالأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، وَالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ عَلى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَالتَّسْلِيمَاتِ:

قَالَ الإِمَامُ الدَّارَمِيُّ في سُنَنِهِ: بَابُ مَا أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ.

ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ المَدِينَةِ قَحْطَاً شَدِيدَاً، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوَىً ـ أَيْ: نَوَافِذَ مُفَتَّحَةً ـ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ.

قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَرَاً ـ أَيْ: كَثِيرَاً ـ حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ، وَسَمِنَتِ الْإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّيَ: عَامَ الْفَتْقِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: سَمَاعُ الأَذَانِ مِنَ القَبْرِ الشَّرِيفِ عَلَى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَقَدْ رَوَى الدَّارَمِيُّ أَيْضَاً تَحْتَ عُنْوَانِ ذَلِكَ البَابِ ـ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ: لَمَّا كَانَ أَيَّامُ الحَرَّةِ لَمْ يُؤَذَّنْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَاً، وَلَمْ يُقَمْ.

قَالَ: وَلَمْ يَبْرَحْ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ مِنَ المَسْجِدِ، وَكَانَ لَا يَعْرِفُ وَقْتَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِهَمْهَمَةٍ يَسْمَعُهَا مِنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ ابْنُ النَّجَّارِ بِلَفْظِ: إِنَّ الأَذَانَ تُرِكَ في أَيَّامِ الحَرَّةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ النَّاسُ، وَبَقِيَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ فِي المَسْجِدِ.

قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ سَمِعْتُ الأَذَانَ في القَبْرِ ـ الشَّرِيفِ ـ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ الإِقَامَةَ فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ، ثُمَّ مَضَى ـ أَيْ: اسْتَمَرَّ ـ ذَلِكَ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ في القَبْرِ المُقَدَّسِ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ ـ يَعْنِي: لَيَالِي أَيَّامِ الحَرَّةِ ـ.

وَفِي ذَلِكَ إِكْرَامٌ مِنَ اللهِ تعالى لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ حَيْثُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ وَمُؤَانَسَةً لَهُ، وَقَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالبَزَّارُ، وَابْنُ عَدِيٍّ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ».

وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا جَاءَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى قَائِمَاً يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 28/ رجب /1442هـ، الموافق: 12/شباط / 2020م