752ـ خطبة الجمعة: لننظر في أعمالنا التي ترفع إلى الله

752ـ خطبة الجمعة: لننظر في أعمالنا التي ترفع إلى الله

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ.

قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

مَا هُوَ العَمَلُ الذي كَانَ يَقُومُ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى، وَكَانَ يُحِبُّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ وَهُوَ صَائِمٌ؟

مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ يُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى، تَنْفِيذُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.

وَأَعْظَمُ شَرَفٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مُبَلِّغًا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ اللهِ تعالى، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ هَذَا العَمَلُ وَهُوَ صَائِمٌ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّسَاءِ، وَجَوَارِحُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَائِمَةٌ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، أَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، يُبَلِّغُ عَنِ اللهِ فَيُرْفَعُ هَذَا العَمَلُ مَعَ صِيَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ جُمْلَةِ العَمَلِ الذي قَامَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: الإِصْلَاحُ، إِصْلَاحُ المُجْتَمَعِ، وَإِصْلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ الإِخْوَةِ، وَإِصْلَاحُ العَبْدِ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَانَ مُصْلِحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُحِبُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَعَ هَذَا العَمَلُ إلى اللهِ وَهُوَ صَائِمٌ، تَشَبُّهًا بِالمَلَائِكَةِ الكِرَامِ الذينَ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَنَاسَلُونَ.

وَمِنْ جُمْلَةِ العَمَلِ الذي قَامَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: التَّبَتُّلُ إلى اللهِ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ ثُمَّ يَقُولُ مَوْلَانَا: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ فَأَحَبَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَعَ هَذَا العَمَلُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَائِمٌ.

وَمِنْ جُمْلَةِ العَمَلِ الذي كَانَ يَقُومُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُسْنُ أَخْلَاقِهِ مَعَ نِسَائِهِ، وَمَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ القَائِلُ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. فَأَحَبَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ هَذَا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مُتَوَّجٌ بِالصِّيَامِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: سِيرَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاتُهُ الكَرِيمَةُ، مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَنَوَايَا كُلُّهَا كَامِلَةٌ، وَمَعَ كَمَالِهَا تُوِّجِتَ بِالصِّيَامِ في شَهْرِ شَعْبَانَ لِتُرْفَعَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الشَّكْلِ وَبِهَذَا الحَالِ.

تُرَى أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَتَكُونُ هَذِهِ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ مَعَ الصِّيَامِ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ مَرْفُوضَةً؟ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ سَتَكُونُ هَذِهِ الأَعْمَالُ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

لِنَنْظُرْ في أَعْمَالِنَا التي تُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى في شَهْرِ شَعْبَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا لِنَنْظُرْ في أَعْمَالِنَا التي تُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى في شَهْرِ شَعْبَانَ مَعَ صِيَامِنَا، مَا هِيَ الأَعْمَالُ التي تَصْدُرُ مِنِّي وَمِنْكَ وَتُرْفَعُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ هَلْ هِيَ أَعْمَالٌ تُبَيِّضُ الوَجْهَ أَمْ تُسَوِّدُهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِنَا التي تُرْفَعُ إلى اللهِ تعالى في شَهْرِ شَعبَانَ وَنَحْنُ صَائِمُونَ: قَطِيعَةُ الرَّحِمِ القَائِمَةُ بَيْنَنَا نَحْنُ رُوَّادَ المَسَاجِدِ، الذينَ نَشْهَدُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَاتِ، وَيَا حَبَّذَا لَو أَنَّنَا قَرَنَّا هَذَا بِصَوْمِ الجَوَارِحِ، وَمَنْ صَامَتْ جَوَارِحُهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ صَامَتْ جَارِحَةُ القَلْبِ عِنْدَهُ عَنِ البَغْضَاءِ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ فَوَصَلَ رَحِمَهُ، قَطِيعَةٌ للرَّحِمِ تُرْفَعُ إلى اللهِ، فَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

تُرْفَعُ الأَعْمَالُ إلى اللهِ؛ أَيُّ عَمَلٍ؟ المُعَامَلَاتُ الرِّبَوِيَّةُ التي تَفَشَّتْ في مُجْتَمَعِنَا وَقَلَّ حَيَاءُ الكَثِيرِ فَكَأَنَّهُمْ نَسُوا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾.

تُرْفَعُ الأَعْمَالُ إلى اللهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُضْمِرُ في نَفْسِهِ نَحْوَ أَخِيهِ مَا لَا يُضْمِرُهُ شَيْطَانٌ عَلَى شَيْطَانٍ، مَا هَذَا الحَالُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟ أَعْمَالُنَا تُعْرَضُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَا أَيُّهَا المُوَظَّفُ وَالطَّبِيبُ وَالمُهَنْدِسُ وَالتَّاجِرُ، وَيَا طَالِبَ العِلْمِ وَيَا صَاحِبَ اللِّحْيَةِ وَيَا صَاحِبَ السُّبْحَةِ وَيَا صَاحِبَ المَسَاجِدِ أَعْمَالُكَ تُرْفَعُ إلى اللهِ، فَهَلْ هَذَا العَمَلُ يُرْضِي رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ تُرْفَعُ إلى اللهِ فَيُحْصِيهَا رَبُّنَا، وَكَمَا قَالَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾.

ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

مَا هِيَ أَعْمَالُنَا التي تُرْفَعُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ حَفَلَاتُ الغِنَاءِ، حَفَلَاتٌ يُعْصَى فِيهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَتُشْرَبُ فِيهَا الخُمُورُ، وَتُعْزَفُ فِيهَا المُوسِيقَا وَتَرْتَفِعُ فِيهَا أَصْوَاتُ القِيَانِ، وَالمُوسِيقَا إلى مَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، وَنَسِيَ القَوْمُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. نَسِيَ هَؤُلَاءِ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَأَنَّنَا في هَذِهِ الأَيَّامِ نَرْفَعُ أَعْمَالَنَا إلى اللهِ وَهِيَ مُلَطَّخَةٌ بِالآثَامِ وَالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ، فَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ، وَفِيهِ تُرْفَعُ الأَعْمَالُ إلى اللهِ تعالى رَفْعًا خَاصًّا لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللهُ تعالى، فَهَلْ يَا تُرَى نَؤُوبُ إلى اللهِ تعالى، وَنَصْطَلِحُ مَعَهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهَلْ يَا تُرَى نَغْتَنِمُ فُرْصَةَ شَهْرِ شَعْبَانَ المُعَظَّمِ الذي تُعْرَضُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ أَمْ نَحْنُ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ؟ إِذَا بَقِيَ الإِنْسَانُ مُصِرًّا عَلَى عِنَادِهِ وَاسْتِكْبَارِهِ، فَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ المُعَانِدِينَ، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُكْرِمَنِي وَإِيَّاكُمْ بِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَأَحْوَالِنَا وَأَخْلَاقِنَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ شعبان /1442هـ، الموافق: 19/آذار / 2021م