119ـ كلمات في مناسبات: شعبان موسم رابح للتجارة

119ـ كلمات في مناسبات: شعبان موسم رابح للتجارة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ الدُّنْيَا مِضْمَارُ سِبَاقٍ للآخِرَةِ بِالنِّسْبَةِ للعَبْدِ المُؤْمِنِ الذي سَمِعَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وَسَمِعَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

وَالمُوَفَّقُ مَنْ بَادَرَ الفُرَصَ، وَكَانَ حَرِيصَاً عَلَى عَدَمِ فَوَاتِهَا، وَصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلُ: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدَاً» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِمَوْسِمٍ رَابِحٍ للتِّجَارَةِ مَعَ اللهِ تعالى، لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَهْرِ شَعْبَانَ، الذي يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟

قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرُ القُرَّاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَلَفُ الأُمَّةِ يَقُولُونَ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ هُوَ شَهْرُ القُرَّاءِ، كَمَا جَاءَ في بَعْضِ الآثَارِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ المُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ انْكَبُّوا عَلَى المَصَاحِفِ فَقَرَؤُوهَا، وَأَخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ تَقْوِيَةً للضَّعِيفِ وَالمِسْكِينِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ.

وَيَقُولُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: كَانَ يُقَالُ: شَهْرُ شَعْبَانُ شَهْرُ القُرَّاءِ.

وَيَقُولُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ: هَذَا شَهْرُ القُرَّاءِ.

وَكَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ المَلَائِيِّ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَتَفَرَّغَ لِقِرَاءَةِ القُرْآنِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَسْتَغِلَّ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ المُبَارَكَ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، مَا اسْتَطَعْنَا إلى ذَلِكَ سَبِيلَاً، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ:

مَـضـَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ    ***   وَهَذَا شَهْرُ شَـعْـبَـانَ المُبَــارَك

فَيَــــا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتِ جَهْلَاً   ***   بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَـــوَارَك

فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَــــسْرَاً   ***   وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهَاً مِنْــكَ دَارَك

تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَـا   ***   بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَـــدَارَك

عَلَى طَلَبِ السَّلَامَةِ مِنْ جَحِيــمٍ   ***   فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَك

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى كَثْرَةُ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَكُلَّمَا أَنْهَيْتَ خَتْمَةً بَدَأْتَ بِخَتْمَةٍ جَدِيدَةٍ، روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟

قَالَ: «الحَالُّ المُرْتَحِلُ».

قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟

قَالَ: «الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ».

الْتَزِمُوا كِتَابَ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الْتَزِمُوا كِتَابَ اللهِ تعالى في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، لِأَنَّ السَّعِيدَ المُوَفَّقَ مَنْ أَلْزَمَهُ اللهُ تعالى كِتَابَهُ المُبِينَ، يَتْلُوهُ وَيَتَدَبَّرُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَيَقُومُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ في اللَّيْلِ، قَالَ تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدَاً وَقَائِمَاً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

الْتَزِمُوا كِتَابَ اللهِ تعالى تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً، لِأَنَّ القُرْآنَ يُلَيِّنُ القُلُوبَ وَيُرَقِّقُهَا، وَيُعِينُ العَبْدَ عَلَى رِقَّةِ قَلْبِهِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَزِيدُ في الإِيمَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابَاً مُتَشَابِهَاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَهُوَ شِفَاءُ القُلُوبِ وَالأَرْوَاحِ، وَأَكْثِرُوا مِنْ تِلَاوَتِهِ خَاصَّةً أَثْنَاءَ قِيَامِ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ المُوجِبَةِ للثَّبَاتِ عَلَى الهِدَايَةِ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً، يَقُومُ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى في جَوْفِ اللَّيْلِ، فَمَنْ حَبَّبَ اللهُ تعالى إِلَى قَلْبِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ، ثَبَّتَ اللهُ تعالى قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ شَعْبَانَ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ لِرَفْعِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلى اللهِ تعالى، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصِيَامِ.

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامَاً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلَاً، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ.

وروى أَيْضَاً عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الأربعاء: 18/ شعبان /1439هـ، الموافق: 31/ آذار / 2018م