765ـ خطبة الجمعة: ارحموا شبابكم وبناتكم

765ـ خطبة الجمعة: ارحموا شبابكم وبناتكم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ شَدَّدَ دِينُنَا الحَنِيفُ في أَمْرِ المَرْأَةِ؛ وَأَمْرُهَا في دِينِنَا حَسَّاسٌ جِدًّا لَا كَالرَّجُلِ، وَعَارُهَا كَبِيرٌ إِذَا انْحَلَّتْ أَخْلَاقُهَا، وَمُصِيبَتُهَا مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حُرِّمَ الزِّنَا، وَشُدِّدَ في تَحْريمِهِ، وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، وَنَهَى عَنْهُ رَبُّنَا بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾. لَمْ يَقُلْ: لَا تَفْعَلُوا الزِّنَا، بَلْ قَالَ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾. لَقَدْ نَهَى عَنِ الاقْتِرَابِ مِنْ كُلِّ سَبَبٍ يُوصِلُ إلى الفَاحِشَةِ، حَرَّمَ النَّظَرَ، وَحَرَّمَ الخَلْوَةَ، وَحَرَّمَ الخُضُوعَ بِالقَوْلِ، وَأَوْجَبَ عَلَى المَرْأَةِ السَّتْرَ وَالحِجَابَ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَتِهَا، وَحَتَّى لَا يَطْمَعَ فِيهَا مَنْ في قَلْبِهِ مَرَضٌ.

وَاليَوْمَ وَاقِعُنَا مَرِيرٌ، لَقَدْ هُتِكَتِ الحُجُبُ، وَمُزِّقَتِ الأَسْتَارُ، وَخَرَجَتِ المَرْأَةُ كَاسِيَةً عَارِيَةً؛ وَلَكِنَّ المَرْأَةَ ذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا؛ عَرَفَ هَذَا مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.

ارْحَمُوا أَبْنَاءَكُمْ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ خِلَالِ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ، أُخَاطِبُ كُلَّ وَالِدٍ وَوَالِدَةٍ، بِلِسَانِ وَلَدِهِمَا، وَأَقُولُ لَهُمَا ـ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ الوَلَدَ في كُلِّ يَوْمٍ يُخَاطِبُكُمَا بِقَوْلِهِ:

يَا أَبَتَاهُ، وَيَا أُمَّاهُ: أَنَا شَابٌّ عَازِبٌ وَمُرَاهِقٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ في الشَّارِعِ، وَفي أَجْهِزَةِ الإِعْلَامِ، وَفي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ يُحَرِّكُ مَشَاعِرِي، وَالشَّهَوَاتُ وَالفِتَنُ أَحْرَقَتِ الأَخْضَرَ وَاليَابِسَ؛ أَمَا آنَ يَا أَبَتِ وَيَا أُمِّي أَنْ تُفَكِّرَا في زَوَاجِي، وَخَاصَّةً أَنَّ الوَضْعَ المَادِيِّ يُسَاعِدُكُمَا عَلَى تَزْوِيجِي؟

أَلَا تَذْكُرَانِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

مَاذَا سَتَقُولَانِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ الذي أَوْصَاكُمَا بِي بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. قِنِي يَا أَبَتِ وَيَا أُمِّي مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ.

يَا أَبَتِ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ كَثِيرًا أَنَّكَ كُنْتَ تَنْتَظِرُ الزَّوَاجَ بِالثَّانِيَةِ، وَكَأَنَّكَ لَا تَرَانِي، مَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

يَا أَبَتِ، لَقَدْ رَعَيْتَنِي حَقَّ الرِّعَايَةِ، فَأَنْفَقْتَ عَلَيَّ المَالَ، وَتَابَعْتَنِي في دِرَاسَتِي؛ وَلَكِنِ اسْمَحْ لِي يَا أَبَتِ أَنْ أَقُولَ: مَا تَابَعْتَنِي حِينَ أَخْرُجُ مِنَ البَيْتِ إلى جَامِعَتِي أَو إلى مَكَانِ عَمَلِي، مَاذَا رَأَيْتُ في الشَّارِعِ، وَمَا أَثَرُهُ عَلَيَّ؟

يَا أَبَتِ، إِنَّ قَلْبِيَ يَحْتَرِقُ، فَارْحَمْنِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَكُونَا سَبَبًا لِإِعْفَافِي عَنِ الحَرَامِ، لَقَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْكُمَا في الرِّزْقِ، وَاسْمَعْ يَا أَبَتِ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ» رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَاسْمَعِ الحَدِيثَ الذي رواه ابْنُ النَّجَارِ ـ وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا ضَعِيفًا ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ حقِّ الوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الكِتابَةَ، وَأَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، وَأَنْ يُزَوِّجَهُ إِذَا بَلَغَ».

يَا أَبَتِ، الزَّوَاجُ سَكَنٌ لِي وَلَنْ يُعِيقَنِي عَنِ الدِّرَاسَةِ، وَلَا عَنِ العَمَلِ، مَا دُمْتَ سَنَدًا لِي مِنْ حَيْثُ الأَسْبَابُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَيُّهَا الآبَاءُ، وَيَا أَيُّهَا الأُمَّهَاتُ، زَوِّجُوا أَوْلَادَكُمْ رَحْمَةً بِهِمْ، وَرَحْمَةً بِأَعْرَاضِ النَّاسِ، يَا أَيُّهَا الآبَاءُ، وَيَا أَيُّهَا الأُمَّهَاتُ، ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَمِنَ الرَّحْمَةِ تَزْوِيجُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ، يَا أَيُّهَا الآبَاءُ، وَيَا أَيُّهَا الأُمَّهَاتُ، إِنْ أَرَدْتُمُ البِرَّ مِنْ أَوْلَادِكُمْ زَوِّجُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوقِعُوكُمْ في الحَرَجِ، فَيَأْتِيَ أَحَدُهُمْ وَيَقُولَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ، إِنِّي أَحْبَبْتُ فُلَانَةً وَلَا أُرِيدُ غَيْرَهَا، لَقَدْ صَادَقْتُهَا سَنَوَاتٍ فَوَجَدْتُهَا تُنَاسِبُنِي.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْلَمْ عَلَى دِينِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا بِالزَّوَاجِ، فَلَا سَبِيلَ لِإِحْصَانِ المُجْتَمَعِ وَإِعْفَافِهِ إِلَّا بِالزَّوَاجِ، زَوِّجُوا وَيَسِّرُوا يَا أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ عَلَى الشَّبَابِ في مَسْأَلَةِ المُهُورِ وَالذَّهَبِ وَفَرْشِ البَيْتِ؛ فَالسَّعَادَةُ لَيْسَتْ بِكَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَا بِالذَّهَبِ، وَلَا بِالمَسَاكِنِ الفَارِهَةِ؛ السَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ بِإِعْفَافِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ عَنِ الحَرَامِ، وَاسْمَعُوا يَا أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَ وَشَابَّاتِ الأُمَّةِ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 30/ شوال /1442هـ، الموافق: 11/حزيران / 2021م