14ـ معجزة تكثير الطعام

14ـ معجزة تكثير الطعام

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الحَدِيثَ عَنِ مُعْجِزَاتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ في إِيمَانِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، وَيَجْعَلُهُ في مَأْمَنٍ مِنَ المَخَاوِفِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ يُشْعِرُ المُؤْمِنَ بِمَعِيَّةِ اللهِ تعالى لَهُ، وَيَتَحَقَّقُ فِيهِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾.

الحَدِيثُ عَنِ المُعْجِزَاتِ يُطَمْئِنُ قَلْبَ المُؤْمِنِ أَيَّامَ المِحَنِ وَالشَّدَائِدِ حَيْثُ يَرَى تَأْيِيدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ.

مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللهُ تعالى بِهَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْجِزَةُ تَكْثِيرَ الطَّعَامِ، وَخَاصَّةً يَوْمَ الخَنْدَقِ.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ (قِطْعَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأَرْضِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا المِعْوَلُ) عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ.

فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ».

ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ (مَرْبُوطٌ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ) وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا (تَفَتَّتَتْ حَتَّى صَارَتْ كَالرَّمْلِ) أَهْيَلَ (يَنْهَالُ فَيَتَسَاقَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَيَسِيلُ مِنْ لِينِهِ) أَوْ أَهْيَمَ (بِمَعْنَى أَهْيَلَ).

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي إِلَى البَيْتِ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟

قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ (الأُنْثَى مِنْ وَلَدِ المَعْزِ) فَذَبَحَتِ العَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي البُرْمَةِ (القِدْرِ) ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ (لَانَ وَتَمَكَّنَ فِيهِ الخَمِيرُ) وَالبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ (جَمْعِ الأُثْفِيَّةِ وَهِيَ الحِجَارَةُ التي تُنْصَبُ وَتُوضَعُ عَلَيْهَا القِدْرُ) قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي (مُصَغَّرُ طَعَامٍ وَصَغَّرَهُ لِقِلَّتِهِ) فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ.

قَالَ: «كَمْ هُوَ».

فَذَكَرْتُ لَهُ.

قَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ».

قَالَ: «قُلْ لَهَا: لَا تَنْزِعِ البُرْمَةَ، وَلَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ».

فَقَالَ: «قُومُوا».

فَقَامَ المُهَاجِرُونَ، وَالأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ.

قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟

قُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: «ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا (تَزْدَحِمُوا)».

فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ (يُغَطِّي) البُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ.

قَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».

هَؤُلَاءِ الصَّحْبُ الكِرَامُ وَهُمْ بِمَعِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ الخَنْدَقِ، خَوْفٌ وَجُوعٌ وَبَرْدٌ شَدِيدٌ، وَجُمِعَتِ الجُمُوعُ لِاسْتِئْصَالِ المُسْلِمِينَ، وَمَعَ كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يَتَزَعْزَعُوا، وَثَبَتُوا عَلَى الحَقِّ، وَامْتَثَلُوا أَمْرَ اللهِ تعالى وَأَمْرَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللهَ تعالى مَعَهُمْ مُؤَيِّدًا وَحَافِظًا وَنَاصِرًا وَمُعِينًا.

يُعَلِّمُنَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ أَنْ لَا يَسْتَقِلَّ أَحَدُنَا مَا أَعْطَاهُ اللهُ تعالى، وَلْيقُلِ الوَاحِدُ مِنَّا دَائِمًا وَأَبَدًا: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ». لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى إِذَا بَارَكَ الطَّعَامَ كَانَ كَثِيرًا، وَإِذَا نَزَعَ البَرَكَةَ فَالكَثِيرُ قَلِيلٌ.

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُعَلِّمُ كُلَّ رَاعٍ الوَاجِبَ الذي عَلَيْهِ نَحْوَ رَعِيَّتِهِ؛ وَعَارٌ عَلَى الرَّاعِي أَنْ يَشْبَعَ وَرَعِيَّتُهُ جَائِعَةٌ.

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُعَلِّمُنَا التَّكَافُلَ الاجْتِمَاعِيَّ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذَا الخُلُقِ؟ أَيْنَ الشَّفَقَةُ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَعِنْدَ الأَطِبَّاءِ، وَأَصْحَابِ النِّعْمَةِ، وَخَاصَّةً أَيَّامَ الفِتَنِ؟ هَلْ يُفَكِّرُ النَّاسُ أَرْبَابُ العَمَلِ في أُجْرَةِ عُمَّالِهِمْ أَيَّامَ المَجَاعَةِ.

مَا أَحْوَجَ الأُمَّةَ لِقِرَاءَةِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ تَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في الظُّرُوفِ القَاهِرَةِ، لَو رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إلى بَيْتِهِ لَوَجَدَ شَيْئًا مِنَ الأَشْيَاءِ التي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا وَيَنْتَفِعَ بِهَا الفُقَرَاءُ؛ وَلَكِنَّنَا نَبْخَلُ عَلَى أَنْفُسِنَا.

الكُلُّ يَخَافُ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، وَيَخَافُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، يَدَّخِرُ لِنَفْسِهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ أَيَّامَ المِحَنِ وَالغَلَاءِ، وَيَنْسَى قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾.

يَظُنُّ الوَاحِدُ مِنَّا أَنَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ لِوَلَدِهِ، وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾. اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.

الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبَارَكُونَ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَدَعْوَتُهُمْ كَانَتْ دَعْوَةً إلى الخَيْرِ وَالهُدَى؛ هَذَا سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.

وَهَذَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعُو: ﴿رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾.

وَلَقَدْ بَارَكَ اللهُ تعالى في سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفي ذُرِّيَّتِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾

كَانَ بَيْتًا مُبَارَكًا، وَكَانَ أَشْرَفَ البُيُوتِ عَلَى الإِطْلَاقِ، فَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيٌّ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكُلُّ مَنْ سَيَدْخُلُ الجَنَّةَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى بَعْدَهُمْ فَإِنَّمَا سَيَدْخُلُهَا مِنْ طَرِيقِهِمْ وَبِدَعْوَتِهِمْ.

وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ أَعْظَمُ الخَلْقِ بَرَكَةً؛ وَمِنْ أَعْظَمِ بَرَكَاتِهِ هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ قَبِلَهُ سَعِدَ، وَمَنْ رَدَّهُ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

وَمَا هَذَا النَّكَدُ وَالشَّقَاءُ الذي تَعِيشُهُ البَشَرِيَّةُ إِلَّا بِسَبَبِ بُعْدِهَا عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ بَرَكَةً للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، وَإِضَافَةً إلى بَرَكَةِ دِينِهِ كَانَتْ بَرَكَاتُهُ الحِسِّيَّةُ بِتَكْثِيرِ الطَّعَامِ القَلِيلِ.

وَرَوَى الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا (الخَمَصُ وَالخَمْصُ خَلَاءُ البَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ) فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي (أَيْ: انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ) فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا (وِعَاءً مِنْ جِلْدٍ) فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ (تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ) دَاجِنٌ (الدَّاجِنُ مَا أَلِفَ البُيُوتَ).

قَالَ: فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي (فَفَرَغَتْ مِنْ طَحْنِ الشَّعِيرِ إلى فَرَاغِي، يَعْنِي مَعَ ذَبْحِ البَهِيمَةِ) فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ.

قَالَ: فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ.

فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا (هُوَ الطَّعَامُ الذي يُدْعَى إِلَيْهِ) فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ».

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ».

فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْدَمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ (أَيْ: ذَمَّتْهُ وَدَعَتْ عَلَيْهِ).

فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي.

فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَتَنَا ـ أَوْ كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ: ـ لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ.

مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ، وَالسَّابِقِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، نَسْتَفِيدُ فَوَائِدَ جَمَّةً:

أَوَّلًا: أَيَّامُ الخَنْدَقِ أَيَّامٌ عَصِيبَةٌ وَقَاسِيَةٌ مَرَّتْ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، مَيَّزَ اللهُ تعالى فِيهَا المُؤْمِنِينَ مِنَ المُنَافِقِينَ.

عِنْدَمَا رَأَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ ذَكَّرَهُمْ حَقِيقَةَ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.

رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الخَنْدَقِ، فَإِذَا المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ».

فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا   ***   عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

وَقَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الخَنْدَقِ، حَتَّى وَارَى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا   ***   وَلَا تَـصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَــأَنْــزِلَـنْ سَـكِينَةً عَلَيْنَا    ***   وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الأُلَى قَـــدْ بَـغَوْا عَلَيْنَا    ***   وَإِنْ أَرَادُوا فِــتْــنَةً أَبَيْنَا

قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.

ثَانِيًا: يَحْرُمُ اليَأْسُ، وَيَجِبُ التَّفَاؤُلُ، وَخَاصَّةً في أَشَدِّ الظُّرُوفِ؛ فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَزْرَعُ في نُفُوسِ الصَّحَابَةِ الأَمَلَ في أَحْلَكِ الظُّرُوفِ، عِنْدَ كَسْرِ الصَّخْرَةِ التي كَانَتْ في الخَنْدَقِ، نَزَلَ إِلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَسَرَهَا حَتَّى صَارَتْ كَالرَّمْلِ.

وَفي رِوَايَةٍ كَمَا في مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ، لَا تَدْخُلُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَأَلْقَى ثَوْبَهُ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ». ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ».

ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ».

ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ» فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ».

وَرَوَى البَيْهَقِيُّ قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ نَافَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْكَرْبِ جَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُفَرَّجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ، فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا، وَأَنْ يَدْفَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَفَاتِحَ الْكَعْبَةِ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَلَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ مَعَهُ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ يَعِدُنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَأَنْ نَغْنَمَ كُنُوزَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَنَحْنُ هَا هُنَا لَا يَأْمَنُ أَحَدُنَا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، وَاللهِ لَمَا يَعِدُنَا إِلَّا غُرُورًا.

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ مَعَهُ: ائْذَنْ لَنَا فَإِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا.

عَليْهِمْ لَعَنَاتُ اللهِ الحَيِّ القَيُّومِ الجَبَّارِ المُنْتَقِمِ أَيْنَمَا حَلُّوا وَأَيْنَمَا نَزَلُوا.

ثَالِثًا: لَقَدْ بَلَغَ مِنْ تَوَاضُعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَزُهْدِهِ في الدُّنْيَا، أَنَّهُ مَا شَبِعَ مِنْ تَمْرٍ أَو بُرٍّ في يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَخْطُبُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلًا (تَمْرًا رَدِيئًا) يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ».

وَكَانَ يَرْبِطُ بَطْنَهُ بِحَجَرٍ مِنَ الجُوعِ، كَمَا كَانَ في يَوْمِ الخَنْدَقِ، وَلَو شَاءَ لَسَيَّرَ اللهُ تعالى لَهُ جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبًا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا ـ أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا ـ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ».

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْسَى لِآلِ مُحَمَّدٍ سَفَّةٌ مِنْ دَقِيقٍ، وَلَا كَفٌّ مِنْ سَوِيقٍ».

فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ سَمِعَ هَدَّةً مِنَ السَّمَاءِ أَفْزَعَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَرَ اللهُ الْقِيَامَةَ أَنْ تَقُومَ؟».

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَمَرَ اللهُ إِسْرَافِيلَ، فَنَزَلَ إِلَيْكَ حِينَ سَمِعَ كَلَامَكَ، فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ سَمِعَ مَا ذَكَرَتْ، فَبَعَثَنِي إِلَيْكَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَأَمَرَنِي أَنْ يُعْرَضْنَ عَلَيْكَ، إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُسَيِّرَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ زُمُرُّدًا، ويَاقُوتًا، وَذَهَبًا، وَفِضَّةً فَعَلْتُ، فَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا؟ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ تَوَاضَعَ، فَقَالَ: «بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا» ثَلَاثًا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ جَاعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَبَطَ بَطْنَهُ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ، وَوَاللهِ لَو شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ بُرًّا وَدَقِيقًا وَخُبْزًا لَفَعَلَ، وَلَكِنْ لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللهُ تعالى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَهُوَ دَرْسٌ عَمَلِيٌّ لِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ صَبَرَ ظَفِرَ.

صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَعَنَاقٌ، أَطْعَمَتْ مَا يُقَارِبُ أَلْفَ شَخْصٍ، حَتَّى شَبِعُوا جَمِيعًا، وَطَلَبَ مِنْ زَوْجَةِ سَيِّدِنَا جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنْ تُوَزِّعَ للنَّاسِ، وَقَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَةِ هَذَا الحَبِيبِ المُبَارَكِ المُبَارِكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 15/ شعبان /1443هـ، الموافق: 18/ آذار / 2021م