1ـ ما هذا الفضل الرباني في رمضان؟

1ـ ما هذا الفضل الرباني في رمضان؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَمْدُ للهِ الذي فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ الصِّيَامَ، وجَعَلَهُ مُطَهِّرًا لِنُفُوسِهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الشُّهُورَ وَالأَعْوَامَ، وَالسَّاعَاتِ وَالأَيَّامَ، وَفَاوَتَ بَيْنَهَا في الفَضْلِ وَالإِكْرَامِ، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ، هَذِهِ الأَيَّامُ تَمُرُّ سَرِيعَةً وَكَأَنَّهَا لَحَظَاتٌ، لَقَدِ اسْتَقْبَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المَاضِيَ، ثُمَّ وَدَّعْنَاهُ، وَمَا هِيَ إِلَّا أَشْهُرٌ مَرَّتْ كَالسَّاعَاتِ، فَإِذَا بِنَا نَسْتَقْبِلُ شَهْرًا آخَرَ، وَرَمَضَانَ آخَرَ.

وَكَمْ عَرَفْنَا أَقْوَامًا وَإِخْوَةً وَأَحِبَّةً أَدْرَكُوا مَعَنَا رَمَضَانَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً، وَهُمُ اليَوْمَ مِنْ سُكَّانِ القُبُورِ ـ اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُبُورَهُمْ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ ـ يَنْتَظِرُونَ يَوْمَ البَعْثِ وَالحَشْرِ وَالنُّشُورِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ رَمَضَانُ هَذَا لِبَعْضِنَا آخِرَ رَمَضَانَ يَصُومُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا أَنَّا أَدْرَكْنَا رَمَضَانَ هَذَا، نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنْحَةٌ إِلَهِيَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ جَاءَتْنَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنَّا.

مَا هَذَا الفَضْلُ الرَّبَّانِيُّ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا هَذَا الفَضْلُ الرَّبَّانِيُّ؟ أَنْ يُكْرِمَنَا اللهُ تعالى بِشُهُودِ هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ المُبَارَكِ، وَنَحْنُ امْتَثَلْنَا قَوْلَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.

فَالحَمْدُ للهِ الذي وَفَّقَنَا لِصِيَامِهِ، وَنَسْأَلُهُ تعالى أَنْ يُتَمِّمَ لَنَا الفَضْلَ لِآخِرِهِ، وَأَنْ نَكُونَ مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ.

مَنْ نَحْنُ حَتَّى يُكْرِمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَنَحْنُ نَعِيشُ هَذِهِ الأَيَّامَ الصَّعْبَةَ التي تَعْصِفُ بِالأُمَّةِ، وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَنِ اللهِ تعالى؛ مَنْ نَحْنُ حَتَّى يُشْهِدَنَا اللهُ تعالى هَذَا الشَّهْرَ المُبَارَكَ الذي قَالَ فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ العَظِيمِ وَاصْطَفَانَا لِحَمْلِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾؟

مَنْ نَحْنُ حَتَّى يُكْرِمَنَا اللهُ تعالى بِشَهْرِ رَمَضَانَ الذي قَالَ فِيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، للهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»؟ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَنْ نَحْنُ حَتَّى يُكْرِمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَهْرِ قَالَ فِيهِ الصَّادِقُ الأَمِينُ، الذي لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْـصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَعَمْ، شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الخَيْرِ وَالبَرَكَاتِ، لِذَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَعُدُّونَ إِدْرَاكَ رَمَضَانَ مِنْ أَكْبَرِ وَأَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا كَامِلًا مُتَقَبَّلًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ.

كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، أَسْهَرُوا فِيهِ لَيْلَهُمْ في الطَّاعَاتِ، وَأَظْمَؤُوا فِيهِ نَهَارَهُمْ تَقَرُّبًا إلى اللهِ تعالى، فَهُوَ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ؛ اغْتَنَمُوهَا، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا عَلَى قَدَمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/رمضان /1443هـ، الموافق: 2/ نيسان / 2022م