2ـ شهر رمضان المبارك شهر التوبة والإنابة

2ـ شهر رمضان المبارك شهر التوبة والإنابة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ في اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ الذي هُوَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ للتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذُنُوبِ العَامِ، بَلْ مِنْ ذُنُوبِ العُمُرِ، وَهُوَ فُرْصَةٌ لِفَتْحِ صَفْحَةٍ جَدِيدَةٍ مَعَ اللهِ تعالى، رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ صَحِيفَةُ العَبْدِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً يَوْمَ القِيَامَةِ.

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ فُرْصَةٌ لِمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَفُرْصَةٌ لِتَذَكُّرِ الأَعْمَالِ بِالأَمْسِ، فَإِنْ وَجَدَ العَبْدُ خَيْرَاً فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ سَارَعَ إلى بَابِ التَّوْبَةِ، فَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ على مِصْرَاعَيْهِ، وَخَاصَّةً في شَهْرِ رَمَضَانَ، حَيْثُ يُنَادِي المُنَادِي: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الـشَّرِّ أَقْـصِرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ الاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، شَهْرُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، حَيْثُ يُخَاطِبُ العَبْدُ نَفْسَهُ قَائِلَاً: عَصَيْتُ رَبِّي وَهُوَ يَرَانِي، كَيْفَ أَلْقَاهُ وَقَدْ نَهَانِي؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: وَاللهِ لَيْسَ لَنَا إلا اللهُ تعالى، إِنَّهُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ اللَّطِيفُ، فَهُوَ يُنَادِينَا وَيَقُولُ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

فَلْنَقُلْ وَلَا نَتَرَدَّدْ: اللَّهُمَّ إِنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ.

لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْشِرُوا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْـشِرُوا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.

وَأَبْشِرُوا بقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَأَبْشِرُوا بِقَوْلِ اللهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَبِقَوْلِهِ تعالى  في حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ آخَرَ: «يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ أَجْمَلِ لَحَظَاتِ الدُّنْيَا وَأَسْعَدِهَا لَحْظَةُ الاصْطِلَاحِ مَعَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وتعالى، وَنَسْجُدُ لِمَوْلَانَا، وَنَدْعُوهُ وَنُنَاجِيهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَنَا: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَهُوَ يَقُولُ لَنا: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَجْعَلْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ بِدَايَةَ حَيَاةٍ، وَنِهَايَةَ حَيَاةٍ، بِدَايَةَ حَيَاةٍ مَعَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالهِدَايَةِ، وَنِهَايَةَ حَيَاةٍ مَعَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا وَالغِوَايَةِ، لِنَجْعَلْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ مِيلَادًا جَدِيدًا، وَانْطِلَاقًا إلى عَهْدٍ جَدِيدٍ شِعَارُهُ الحَيَاةُ مَعَ اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ لَنَا غَيْرُ اللهِ؟ وَمَنْ لَنَا سِوَاهُ؟ وَلِمَنْ نَرْجُو عَدَاهُ؟ وَاللهِ لَوْ نَظَرْنَا أَمَامَنَا وَخَلْفَنَا، وَعَنْ يَمِينِنَا، وَعَنْ شِمَالِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَمِنْ تَحْتِنَا، لَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا مَفَرَّ مِنَ اللهِ إِلَّا إلى اللهِ ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: فَكِّرُوا في الذُّنُوبِ التي فَاتَتْ، هَلْ تُبْنَا إلى اللهِ تعالى مِنْهَا، أَمْ أَضَفْنَا إِلَيْهَا ذُنُوبًا جَدِيدَةً؟ وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَارْقُبُوا يَوْمًا لَا شَكَّ أَنَّهُ قَادِمٌ، وَاحْذَرُوا مِنْ لَيْلَةٍ يَكُونُ صُبْحُهَا يَوْمَ القِيَامَةِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحًا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 1/رمضان /1443هـ، الموافق: 2/ نيسان / 2022م