70ـ توبة فضالة بن عمير بن الملوَّح رضي الله عنه وأرضاه

70ـ توبة فضالة بن عمير بن الملوَّح رضي الله عنه وأرضاه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

تَوْبَةُ فَضَالَةَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ المُلَوَّحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مُشْرِكًا، لَا يُحِلُّ حَلَالًا وَلَا يُحَرِّمُ حَرَامًا، كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَصَدَاقَةٌ مَعَ النَّاسِ، كَانَ يَجْلِسُ إلى النِّسَاءِ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِنَّ، وَيَتَحَدَّثْنَ إِلَيْهِ، وَمَاذَا يَكُونُ بَعْدَ الحَدِيثِ؟ اللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا هُوَ مَضْمُونُ الحَدِيثِ؟ اللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرٍ كَانَ يَأْبَى الإِيمَانَ وَيَأْبَى الطَّاعَةَ بِسَبَبِ اتِّبَاعِهِ للشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَنْجَرِفُ مِنْ مَعْصِيَةٍ إلى مَعْصِيَةٍ، حَتَّى أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِفَ أَكْبَرَ مَعْصِيَةٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ الجَمِيعُ أَمَامَ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمُ الكَلِمَةَ المَشْهُورَةَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟».

قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.

قَالَ: ﴿فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» كَذَا في زَادِ المَعَادِ.

بَعْدَ كُلِّ هَذَا العَطَاءِ وَالخُلُقِ الكَرِيمِ، أَخَذَ فَضَالَةُ يُفَكِّرُ في قَتْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الطَّوَافِ هَمَّ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَضَالَةُ؟».

قَالَ: نَعَمْ، فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟».

قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللهَ.

فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اسْتَغْفِرِ اللهَ».

ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ، وَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيَّ مِنُهُ.

ذَاقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، وَإِذْ بِهِ يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا كُلِّيًّا.

قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ.

فَقُلْت: لَا؛ وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:

قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا   ***   يَـأْبَى عَـلَـيْـكِ اللهُ وَالإِسْـلَامُ

لَــوْ قَــدْ رَأَيْــتِ مُحَمَّدًا وَقَبِيلَهُ    ***   بِـالْفَتْحِ يَوْمَ تُـكَسَّرُ الأَصْنَــامُ

لَــرَأَيْتِ دِيـنَ اللهِ أَضْـحَى بَـيِّنًا   ***   وَالشّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الإِظْلامُ

رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ في السِّيرَةِ.

مَا أَقْبَحَ المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَقْبَحَ المَعْصِيَةَ بَعْدَ الطَّاعَةِ، وَمَا أَقْبَحَ الكُفْرَ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَمَا أَقْبَحَ الظُّلْمَةَ بَعْدَ النُّورِ، وَمَا أَقْبَحَ الضَّلَالَ بَعْدَ الهُدَى، حَافِظُوا عَلَى إِيمَانِكُمْ مِنْ أَنْ يُدَنَّسَ بِالمَعْصِيَةِ، حَافِظُوا عَلَى حَلَاوَةِ الإِيمَانِ مِنْ زَوَالِهَا بَعْدَ الوُقُوعِ في الفِتْنَةِ.

يَأْبَى عَلَيَّ اللهُ وَالإِسْلَامُ:

أَيُّهَا الشَّبَابُ: اجْعَلُوا شِعَارَكُمْ إِذَا دُعِيتُمْ إلى المَعْصِيَةِ: لَا، يَأْبَى عَلَيَّ اللهُ وَالإِسْلَامُ، لِأَنَّكُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ مَرْصُودُونَ مِنْ قِبَلِ الغَيْرِ، وَإِنَّ مَثِيلَاتِ هَذِهِ المَرْأَةِ التي دَعَتْ فَضَالَةَ إلى الحَدِيثِ كَثِيرَاتٌ وَكَثِيرَاتٌ جِدًّا في المُجْتَمَعِ، كَمْ مِنَ النِّسَاءِ يَتَعَرَّضْنَ للشَّبَابِ في الشَّوَارِعِ وَفِي الجَامِعَاتِ وَفِي مَكَاتِبِ العَمَلِ وَفِي المَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ، وَعَنْ طَرِيقِ الهَوَاتِفِ النَّقَّالَةِ خَاصَّةً؟ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَقُولُ: هَلُمَّ إلى الحَدِيثِ.

فَيَا أَيُّهَا الشَّابُّ المُسْلِمُ، يَا مَنْ تَذَوَّقْتَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، إِذَا تَعَرَّضْتَ لِمِثْلِ هَذَا الحَالِ فَقُلْ كَمَا قَالَ مَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ، قُلْ كَمَا قَالَ فَضَالَةُ: لَا، يَأْبَى عَلَيَّ اللهُ وَالإِسْلَامُ، قُلْ هَذَا بِمِلْءِ فَمِكَ.

وَإِنْ قِيلَ لَكَ: لِمَاذَا تَأْبَى الحَدِيثَ مَعَ النِّسَاءِ؟ فَقُلْ:

أَوَّلَاً: أُرِيدُ أَنْ أَضْحَكَ في النِّهَايَةِ:

قُلْ: لَا أُرِيدُ أَنْ أَضْحَكَ في البِدَايَةِ وَأَبْكِيَ في النِّهَايَةِ، لَا أُرِيدُ أَنْ أَضْحَكَ قَلِيلًا وَأَبْكِيَ كَثِيرًا، لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ المُجْرِمِينَ الذين يَضْحَكُونَ بِدَايَةً وَيَبْكُونَ نِهَايَةً، أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الذينَ ذَاقُوا حَلَاوَةَ الإِيمَانِ وَضَحِكُوا في النِّهَايَةِ، قُلْ هَذَا بِمِلْءِ فِيكَ، ثُمَّ اتْلُ عَلَيْهِمْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُون * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِين * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّون * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِين * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُون * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون﴾.

رُبَّمَا يَضْحَكُ مِنْكَ المُجْرِمُ بِدَايَةً، وَرُبَّمَا تَضْحَكُ المُجْرِمَةُ مِنْكَ بِدَايَةً، لِأَنَّكَ في ظَنِّهَا لَا تُحَقِّقُ لِنَفْسِكَ مُتْعَةً.

نَعَمْ إِنَّهَا مُتْعَةٌ في الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، حَيْثُ يَذْهَبُ أَثَرُ لَذَّتِهَا وَتَبْقَى مَرَارَتُهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.

ثَانِيًا: أُرِيدُ أَنْ آخُذَ كِتَابِي بِيَمِينِي:

قُلْ أَيُّهَا الشَّابُّ لِدُعَاةِ الانْحِرَافِ وَلِدُعَاةِ الضَّلَالَةِ: يَأْبَى عَلَيَّ اللهُ وَالإِسْلَامُ الانْحِرَافَ، لِأَنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ كِتَابِي بِيَمِينِي لَا بِشِمَالِي، حَتَّى أَقُولَ بِمِلْءِ فَمِي: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة﴾.

إِنَّ ثَبَاتِي عَلَى الحَقِّ وَالإِسْلَامِ وَالفَضِيلَةِ يُشَرِّفُنِي وَيُبَيِّضُ وَجْهِي، لِذَا أَقُولُ بِمِلْءِ فَمِي في أَرْضِ المَحْشَرِ: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ.

قُلْ: لَا أُرِيدُ أَنْ آخُذَ كِتَابِي بِشِمَالِي، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه﴾.

لَقَدْ ذَهَبَتِ اللَّذَّةُ المَوْهُومَةُ، ذَهَبَتِ الأَهْوَاءُ وَالشَّهَوَاتُ المُخَالِفَةُ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ، فلا أريد الجحيم الدائم.

ثَالِثًا: أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الهِدَايَةِ:

قُلْ أَيُّهَا الشَّابُّ المُسْلِمُ لِمَنِ اتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ: أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الهِدَايَةِ إلى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، أُرِيدُ الهِدَايَةَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ للطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إلى الجَنَّةِ التي عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، أُرِيدُ النَّعِيمَ الدَّائِمَ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مُجَاهَدَتِي لِنَفْسِي ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ فَأَنَا أُرِيدُ مُجَاهَدَتَهَا وَمُخَالَفَتَهَا للوُصُولِ إلى البُغْيَةِ العُظْمَى في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، أَلَا وَهِيَ الهِدَايَةُ إلى سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾.

لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾. لَا أُرِيدُ الغَيَّ، لَا أُرِيدُ نَارَ جَهَنَّمَ بِشَهْوَةِ سَاعَةٍ في الدُّنْيَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَخِيرًا أَقُولُ لَكُمْ: اجْعَلُوا شِعَارَكُمْ: لَا، يَأْبَى عَلَيَّ اللهُ وَالإِسْلَامُ، وَلَا تُخَرِّبُوا مُسْتَقْبَلَكُمْ في الآخِرَةِ بِشَهْوَةِ سَاعَةٍ في الدُّنْيَا.

اللَّهُمَّ عَامِلْنَا بِفَضْلِكَ لَا بِعَدْلِكَ، وَتَحَمَّلْ عَنَّا التَّبِعَاتِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الثلاثاء: 4/رمضان /1443هـ، الموافق: 5/نيسان / 2022م