809ـ خطبة الجمعة: الصيام ليس الإمساك عن الطعام فقط

809ـ خطبة الجمعة: الصيام ليس الإمساك عن الطعام فقط

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ قُلْتُمْ لِنِدَاءِ رَبِّكُمُ القَائِلِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَلِنِدَاءِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ لَبَّيْكَ، اعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ وَصِيَّةً نَبَوِيَّةً تُذَكِّرُ بِحَقِّ هَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ، تُذَكِّرُ القُلُوبَ الصَّادِقَةَ المُؤْمِنَةَ التي تَعْبُدُ اللهَ تعالى للهِ تعالى، وَالتي امْتَثَلَتْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.

وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ تُعَرِّفُنَا حَقِيقَةَ الصِّيَامِ، وَتُذَكِّرُنَا بِمَا يَنْبَغِي عَلَى الصَّائِمِ في صِيَامِهِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رِوَايَةً.

الصِّيَامُ لَا يَقِفُ عِنْدَ الإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يُذَكِّرُنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصِّيَامَ لَا يَقِفُ عِنْدَ الإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب فَحَسْبُ، بَلْ هُنَاكَ صِيَامٌ بِالإِحْجَامِ عَنِ الكَلَامِ الذي لَا يُرْضِي المَلِكَ العَلَّامَ، فَإِذَا جَاءَتْ بَوَاعِثُ الشُّرُورِ، وَحَرَّكَهَا أَهْلُهَا في مَوْقِفٍ مِنَ المَوَاقِفِ تَذَكَّرَتْ رَبَّهَا، وَأَنْتَ قَدْ جُعْتَ لِوَجْهِ اللهِ تعالى، وَظَمِئْتَ لِوَجْهِ اللهِ تعالى في يَوْمِ صِيَامِكَ، فَحَرَّكَتْ بَوَاعِثُ الشُّرُورِ مِنْ نَفْسِكَ الغَضَبَ، وَتُرِيدُ أَنْ تَنْتَقِمَ بِكَلَامٍ لَا يُرْضِي اللهَ تعالى، وَلَا يُرْضِي سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَذَكَّرْ، وَذَكِّرِ النَّفْسَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الجَلِيلَةِ، وَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ.

لِأَنَّ الصَّائِمَ لَا يَلِيقُ أَنْ يَرْتَكِبَ الخَطَأَ في الأَقْوَالِ فَضْلًا عَنِ الأَفْعَالِ التي لَا تُرْضِي اللهَ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنَّ الشَّيَاطِينَ إِنْ كُبِّدَتْ وَسُلْسِلَتْ في شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ النَّفْسَ الأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ لَا تُصَفَّدُ وَلَا تُكَبَّدُ، فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ مَعَ إِخْوَانِكَ، فَإِنَّ حِرْصَ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ حِرْصِ الشَّيْطَانِ عَلَى الإِفْسَادِ، كَيْدُ الشَّيْطَانِ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا النَّفْسُ فَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ زَكَّاهَا، وَالشَّقِيُّ مَنْ دَسَّاهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَجْمَلَ الصَّائِمَ القَائِمَ إِذَا جَمَّلَهُ اللهُ تعالى وَحَلَّاهُ بِالأَخْلَاقِ وَالتَّوَاضُعِ وَالحِلْمِ وَكَظْمِ الغَيْظِ؟ مَا أَجْمَلَ الصَّائِمَ القَائِمَ الذي يَذْكُرُ وَيُذَكِّرُ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا»؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَكَرِيمُ الأَصْلِ كَالغُّصْنِ الغَضِّ الطَّرِيِّ، كُلَّمَا ازْدَادَ مِنْ خَيْرٍ تَوَاضَعَ وَانْحَنَى، وَتَحَقَّقَ بِاتِّبَاعِ مَنْ قَالَ فِيهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

وَابْتَعَدَ عَنِ الصِّفَاتِ غَيْرِ اللَّائِقَةِ بِالمُؤْمِنِ مِنْ بَذَاءَةِ اللِّسَانِ، وَالحِقْدِ، وَالغِلِّ، وَالحَسَدِ، وَالبَغْضَاءِ.

في الخِتَامِ يَا عِبَادَ اللهِ، هَلْ عَرَفْتُمْ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ مَجْلِسًا مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لَيْسَ العَالِمَ، وَلَا العَابِدَ، وَلَا المُجَاهِدَ، وَلَا المُنْفِقَ، أَقْرَبُ النَّاسِ مَجْلِسًا مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ، وَخَاصَّةً الصَّائِمَ القَائِمَ الذي تَوَّجَ صَوْمَهُ بِالأَخْلَاقِ.

جَعَلَنَا اللهُ تعالى وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 7/رمضان /1443هـ، الموافق: 8/ نيسان / 2022م