9ـ قيام رمضان يعني صلاة التراويح

9ـ قيام رمضان يعني صلاة التراويح

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ أَبْوَابِ البِرِّ وَصُنُوفِ الخَيْرِ وَطَرَائِقِ الإِحْسَانِ التي خَصَّ اللهُ بِهَا هَذَا الشَّهْرَ المُبَارَكَ أَنْ جَعَلَ قِيَامَ لَيْلِهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَحَطِّ الخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ.

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وَهَذَا مِصْدَاقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْضَرُوا الْمِنْبَرَ».

فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: «آمِينَ» فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: «آمِينَ» فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: «آمِينَ».

فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ.

قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ: آمِينَ.

فَأَسْبَابَ المَغْفِرَةِ في هَذَا الشَّهْرِ كَثِيرَةٌ: الصَّوْمُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا سَبَبٌ للمَغْفِرَةِ، قِيَامُ أَيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا سَبَبٌ للمَغْفِرَةِ.

قِيَامُ رَمَضَانَ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ يَحْصُلُ بِأَنْ يُلَازِمَ المُؤْمِنُ أَهْلَ المَسَاجِدِ في صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ قِيَامُ رَمَضَانَ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا (يَعْنِي صَلَاةَ اللَّيْلِ) حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ (أَيْ سَبْعُ لَيَالٍ مِنَ الشَّهْرِ) فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ (أَيْ مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ وَهُمْ يُصَلُّونَ) ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الخَامِسَةِ (أَيْ في الخَامِسَةِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ) حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ (أَيْ لَو أَعْطَيْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا صَلَاةً وَعِبَادَةً).

فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ».

سَوَاءٌ طَالَ قِيَامُهُ أَو قَصُرَ، فَاحْرِصْ عَلَى مُلَازَمَةِ الأَئِمَّةِ في صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَسَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الفَضْلِ الذي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

نَعَمْ، لَقَدْ صَلَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ في بَعْضِ اللَّيَالِي، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا، وَبَيَّنَ العُذْرِ في تَرْكِ المُوَاظَبَةِ، وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ فَيَعْجَزُوا عَنْهَا، رَوَى

وَقَدْ وَاظَبَ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالمُسْلِمُونَ مِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً إلى يَوْمِنَا هَذَا، وَكَانَ سَـيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ الذي جَمَعَ النَّاسَ فِيهَا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ.

وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ.

فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ.

ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.

ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ.

قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ ـ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ـ.

وَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ التَّرَاوِيحِ وَمَا فَعَلَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَمْ يَتَخَرَّصْ ـ أَيْ لَمْ يَفْتُرْ ـ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعَاً، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إِلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ، وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ سَنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَذَا، وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّاهَا جَمَاعَةً وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، بَلْ سَاعَدُوهُ وَوَافَقُوهُ وَأَمَرُوا بِذَلِكَ. [فتح القدير].

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ المَالِكِيَّةِ إلى أَنَّ التَّرَاوِيحَ عِشْرُونَ رَكْعَةً، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ والبيهقي عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مِنْ قِيَامِ النَّاسِ في زَمَانِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَجَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النَّاسَ عَلَى هَذَا العَدَدِ مِنَ الرَّكَعَاتِ جَمْعَاً مُسْتَمِرَّاً.

وَقَالَ الكَاسَانِيُّ: جَمَعَ عُمَرُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَصَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعَاً مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. [بدائع الصنائع]. وَفِعْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ مِنْ جَمْعِ النَّاسِ. رواه البخاري.

وَهَذَا مَا عَلَيْهِ النَّاسُ إلى زَمَانِنَا هَذَا.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ». أخرجه أبو داود والترمذي.

وَأَخِيرَاً أَقُولُ: أَلَا يُشَرِّفُنا أَنْ نَلْتَزِمَ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مِنْ زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى يَوْمِنَا هَذَا؟ وَهَذَا مَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، أَلَا يَسَعُنَا مَا وَسِعَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعَ التَّابِعِينَ إلى يَوْمِنَا هَذَا؟ الحَمْدُ للهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ. هذا، والله تعالى أعلم.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِيَّايَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ نَقْتَصِرَ في الاشْتِغَالِ عَلَى فَضْلِ القِيَامِ بِالصُّورَةِ فَقَطْ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُبَادِرُ إلى المَسَاجِدِ التي تُقَصِّرُ صَلَاتَهَا وَيَخِفُّ رُكُوعُهَا وَسُجُودُهَا، وَلَا يُتَدَبَّرُ مَا يُقْرَأُ فِيهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقُمْ رَمَضَانَ، لَمْ يَقُمِ اللَّيَالِيَ حَقَّ القِيَامِ، فَإِنَّ القِيَامَ هُوَ أَنْ يَقُومَ الإِنْسَانُ رَاغِبًا فِيمَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا بِقَلْبٍ خَاشِعٍ وَعَيْنٍ دَامِعَةٍ وَلِسَانٍ ذَاكِرٍ وَمُتَدَبِّرٍ لِمَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِيَكُونَ في زُمْرَةِ مَنْ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا فِيهِمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للصِّيَامِ حَقَّ الصِّيَامِ، وَللقِيَامِ حَقَّ القِيَامِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 7/ رمضان /1443هـ، الموافق: 8/نيسان / 2022م