13ـ القرآن العظيم أوثق شافع

13ـ القرآن العظيم أوثق شافع

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ إلى تَدَبُّرِ القُرْآنِ أَمْرُ اللهُ لَنَا بِأَنْ نَقِفَ مَعَ آيَاتِهِ وَأَنْ نَتَدَبَّرَهَا، بَلْ مَا أَنْزَلَ اللهُ القُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُتَأَمَّلَ وَيُتَدَبَّرَ لِيُعْمَلَ بِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

وَقَالَ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.

وقال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.

فَالتَّفَكُّرُ وَالتَّدَبُّرُ وَالوُقُوفُ مَعَ الآيَاتِ وَتَأَمُّلُهَا أَمْرٌ دَعَتْ إِلَيْهِ نُصُوصٌ مُتَظَاهِرَةٌ وَلِأَجْلِهِ أُنْزِلَ القُرْآنُ، قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: نَزَلَ القُرْآنُ لِيُتَدَبَّرَ وَيُعْمَلَ بِهِ.

فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ للعَبْدِ في مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَأَقْرَبَ إلى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ القُرْآنِ وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ وَجَمْعِ الفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَإِنَّهَا تُطْلِعُ العَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِمَا.

وَتُشْهِدُهُ عَدْلَ اللِه وَفْضَلَهُ، وَتُعَرِّفُهُ ذَاتَهُ وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ وَمَا يُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ، وَصِرَاطَهُ المُوصِلَ إِلَيْهِ وَمَا لِسَالِكِيهِ بَعْدَ الوُصُولِ وَالقُدُومِ عَلَيْهِ، وَقَوَاطِعَ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا.

القُرْآنُ العَظِيمُ أَوْثَقُ شَافِعٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُرْآنُ العَظِيمُ أَوْثَقُ شَافِعٍ للعَبْدِ، وَفي تَدَبُّرِهِ حَلَاوَةٌ وَطَلَاوَةٌ تَغْمُرُ المُؤْمِنَ وَتَزِيدُ في إِيمَانِهِ، وَهُوَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ».

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ: قَوْلُهُ: إِنَّ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا، قِيلَ: مَعْنَاهُ تُجَادِلُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ رَوَى زَادٌ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَتَقُولُ رِجْلَاهُ: إنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي، إنَّهُ قَدْ وَعَى بِي سُورَةَ الْمُلْكِ، وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: وَاللهِ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي، إنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ، قَالَ: وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبَةٌ سُورَةُ الْمُلْكِ، مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْنَبَ.

أَفَلَا يَجْدُرُ بِمَنْ كَانَ ذَلِكَ وَصْفَهُ، وَتِلْكَ ثَمَرَتَهُ، أَنْ يَتَدَبَّرَهُ العَبْدُ المُؤْمِنُ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَقْرَأِ القُرْآنَ بِتَدَبُّرٍ فَفِيهِ الشِّفَاءُ لِمَا في صُدُورِنَا، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا.

فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الأُوَلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا.

قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ.

قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي».

قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ.

قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ.

قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟

قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الْآيَةَ كُلَّهَا.

وَقَدْ سَارَ السَّلَفُ عَلَى خُطَا نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْصَوْا بِالتَّدَبُّرِ وَضَرَبُوا لَنَا فِيهِ الأَمْثَالَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: رَكْعَتَانِ في تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ بِلَا قَلْبٍ.

وَكَانَ الفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَ القُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا.

قِيلَ: كَيْفَ العَمَلُ بِهِ؟

قَالَ: لِيُحِلُّوا حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيَأْتَمِرُوا بِأَوَامِرِهِ، وَيَنْتَهُوا عَنْ نَوَاهِيهِ، وَيَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ.

وَعَمَلِيًّا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُومُ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ يُرَدِّدُهَا طِيلَةَ اللَّيْلِ يَتَفَكَّرُ في مَعَانِيهَا وَيَتَدَبَّرُهَا.

وَلَمْ يَكُنْ هَمُّهُمْ مُجَرَّدَ خَتْمِ القُرْآنِ؛ بَلِ القِرَاءَةَ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَهُّمٍ.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قَالَ: لَأَنْ أَقْرَأَ فِي لَيْلَتِي حَتَّى أُصْبِحَ بِإِذَا زُلْزِلَتِ، وَالْقَارِعَةُ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِمَا، وَأَتَرَدَّدُ فِيهِمَا وَأَتَفَكَّرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَهُذَّ الْقُرْآنَ لَيْلَتِي هَذًّا. أَوْ قَالَ: أَنْثُرَهُ نَثْرًا (أَيْ أَقْرَأَهُ بِسُرْعَةٍ.

أَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَنَا في هَؤُلَاءِ وَمِنْ قَبْلِهِمْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 13/ رمضان /1443هـ، الموافق: 14/نيسان / 2022م