19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى، إِنَّ خُرُوجَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ العِيرِ التي كَانَ يَحْرُسُهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَمْ تَكُنْ إِلَّا إِغْرَاءً عَلَى الخُرُوجِ العَاجِلِ الخَفِيفِ، لِئَلَّا يَتَهَيَّأَ جَيْشٌ، وَلِيَكُونَ اللِّقَاءُ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِتَكُونَ الغَزْوَةُ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى.

تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾. فِيهِ إِغْرَاءٌ، لَمْ يَقْطَعِ الأَمَلَ في العِيرِ، وَلَمْ يُؤَكِّدْ لِقَاءَ النَّفِيرِ، إِلَّا أَنَّ الذينَ خَرَجُوا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُيُولُهُمْ إلى السَّبَبِ الذي أَخْرَجَهُمْ: «لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَكِنَّ التَّوْجِيهَ الإِلَهِيَّ يُوَجِّهُ الخُطَّةَ إلى غَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَإِنْ كَرِهُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.

لَمْ يَكُنْ للمُسْلِمِينَ وَلَا المُشْرِكِينَ اخْتِيَارٌ في المَكَانِ، وَلَا في تَحْدِيدِ الزَّمَانِ، لَقَدْ سَارَ المُسْلِمُونَ إلى مَاءِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ مَنْزِلٌ عَامٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالنَّفِيرِ، وَلَا مَصِيرَ العِيرِ، وَمَضَى المُشْرِكُونَ أَيْضًا إلى بَدْرٍ، لِتَسْمَعَ بِهِمُ العَرَبُ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالمُسْلِمِينَ.

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى عَظِيمَةٌ بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الكُبْرَى لَمْ تَكُنْ عَظِيمَةً بِأَرْضِهَا، أَو بِجُغْرَافِيَّتِهَا، أَو بِخُطِّتِهَا، أَو بِسِلَاحِهَا، إِنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا، وَلَو كَانُوا قِلَّةً بُسَطَاءَ أَذِلَّةً، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. لَقَدْ كَانَتْ عَظِيمَةً بِالطَّائِفَةِ المُؤْمِنَةِ النَّبِيلَةِ التي شَارَكَتْ فِيهَا.

مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ حَدَثَتْ تَغْيِيرَاتٌ كَوْنِيَّةٌ هَائِلَةٌ، مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ نَزَلَتِ المَلَائِكَةُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ خَضَعَ الشَّيْطَانُ، بَلْ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا.

هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَعْطَتْ دَرْسًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، وَأَعْطَتْ صُورَةً حَيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَصْرًا كَنَصْرِ بَدْرٍ.

خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الذينَ لَا يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ ثَلَاثَمِئَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُ سَبْعِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».

فِرَارُ أَبِي سُفْيَانَ بِالقَافِلَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ عَلَى رَأْسِ القَافِلَةِ المَكِّيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ مِنْ أَذْكَى وَأَدْهَى العَرَبِ، وَأَحَسَّ بِالخَطَرِ الذي أَحْدَقَ بِهِ وَبِالقَافِلَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، أَرْسَلَ رِسَالَةً سَرِيعَةً إلى مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُ جَيْشَ مَكَّةَ للخُرُوجِ لِإِنْقَاذِ القَافِلَةِ، أَرْسَلَ الرِّسَالَةَ مَعَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ، فَلَمَّا وَصَلَ ضَمْضَمٌ إلى مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَبَدَأَ يَصْرُخُ في أَهْلِ مَكَّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ (الْإِبِلَ الَّتِي تَحْمِلُ الْبَزَّ وَالطِّيبَ) أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. كَذَا في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

وَبَدَؤُوا بِجَمْعِ المُقَاتِلِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَأَعَدُّوا جَيْشًا كَبِيرًا عَلَى مُسْتَوًى، كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِئَةِ مُقَاتِلٍ، وَخَرَجُوا بِمِئَةِ فَرَسٍ، وَسِتِّمِئَةِ دِرْعٍ، وَجِمَالٍ كَثِيرَةٍ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهَا، وَخَرَجَ مَعَ قِيَادَةِ الجَيْشِ كُلُّ زُعَمَاءِ الكُفْرِ تَقْرِيبًا.

لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَذَلَ أَقْصَى جُهْدِهِ لِإِنْقَاذِ العِيرِ، وَتَرَكَ الطَّرِيقَ الذي يُوصِلُ إلى بَدْرٍ، وَسَارَ نَحْوَ السَّاحِلِ، وَنَجَا بِهَا، فَأَرْسَلَ إلى قُرَيْشٍ يَقُولُ لَهُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا ـ وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ ـ فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ (الْجَوَارِي) وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.

وَمَضَتْ قُرَيْشٌ في سَيْرِهَا مُسْتَجِيبَةً لِرَأْيِ أَبِي جَهْلٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِحَقٍّ إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 19/ رمضان /1443هـ، الموافق: 20/نيسان / 2016م

19ـ غزوة بدر عظيمة بأهل الحق فيها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى، إِنَّ خُرُوجَ المُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ العِيرِ التي كَانَ يَحْرُسُهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَمْ تَكُنْ إِلَّا إِغْرَاءً عَلَى الخُرُوجِ العَاجِلِ الخَفِيفِ، لِئَلَّا يَتَهَيَّأَ جَيْشٌ، وَلِيَكُونَ اللِّقَاءُ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لِتَكُونَ الغَزْوَةُ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ العُظْمَى.

تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾. فِيهِ إِغْرَاءٌ، لَمْ يَقْطَعِ الأَمَلَ في العِيرِ، وَلَمْ يُؤَكِّدْ لِقَاءَ النَّفِيرِ، إِلَّا أَنَّ الذينَ خَرَجُوا مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُيُولُهُمْ إلى السَّبَبِ الذي أَخْرَجَهُمْ: «لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَكِنَّ التَّوْجِيهَ الإِلَهِيَّ يُوَجِّهُ الخُطَّةَ إلى غَيْرِ مَا يُرِيدُونَ، وَإِنْ كَرِهُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾.

لَمْ يَكُنْ للمُسْلِمِينَ وَلَا المُشْرِكِينَ اخْتِيَارٌ في المَكَانِ، وَلَا في تَحْدِيدِ الزَّمَانِ، لَقَدْ سَارَ المُسْلِمُونَ إلى مَاءِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ مَنْزِلٌ عَامٌّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالنَّفِيرِ، وَلَا مَصِيرَ العِيرِ، وَمَضَى المُشْرِكُونَ أَيْضًا إلى بَدْرٍ، لِتَسْمَعَ بِهِمُ العَرَبُ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَتَى يَلْتَقُونَ بِالمُسْلِمِينَ.

غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى عَظِيمَةٌ بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الكُبْرَى لَمْ تَكُنْ عَظِيمَةً بِأَرْضِهَا، أَو بِجُغْرَافِيَّتِهَا، أَو بِخُطِّتِهَا، أَو بِسِلَاحِهَا، إِنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِأَهْلِ الحَقِّ فِيهَا، وَلَو كَانُوا قِلَّةً بُسَطَاءَ أَذِلَّةً، كَمَا ذَكَرَ اللهُ تعالى في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. لَقَدْ كَانَتْ عَظِيمَةً بِالطَّائِفَةِ المُؤْمِنَةِ النَّبِيلَةِ التي شَارَكَتْ فِيهَا.

مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ حَدَثَتْ تَغْيِيرَاتٌ كَوْنِيَّةٌ هَائِلَةٌ، مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ نَزَلَتِ المَلَائِكَةُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ خَضَعَ الشَّيْطَانُ، بَلْ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا.

هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَعْطَتْ دَرْسًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، وَأَعْطَتْ صُورَةً حَيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَصْرًا كَنَصْرِ بَدْرٍ.

خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ الذينَ لَا يَتَجَاوَزُ عَدَدُهُمْ ثَلَاثَمِئَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُ سَبْعِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا».

فِرَارُ أَبِي سُفْيَانَ بِالقَافِلَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ عَلَى رَأْسِ القَافِلَةِ المَكِّيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ مِنْ أَذْكَى وَأَدْهَى العَرَبِ، وَأَحَسَّ بِالخَطَرِ الذي أَحْدَقَ بِهِ وَبِالقَافِلَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ وَصَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، أَرْسَلَ رِسَالَةً سَرِيعَةً إلى مَكَّةَ يَسْتَنْفِرُ جَيْشَ مَكَّةَ للخُرُوجِ لِإِنْقَاذِ القَافِلَةِ، أَرْسَلَ الرِّسَالَةَ مَعَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ، فَلَمَّا وَصَلَ ضَمْضَمٌ إلى مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَبَدَأَ يَصْرُخُ في أَهْلِ مَكَّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ (الْإِبِلَ الَّتِي تَحْمِلُ الْبَزَّ وَالطِّيبَ) أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. كَذَا في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

وَبَدَؤُوا بِجَمْعِ المُقَاتِلِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَأَعَدُّوا جَيْشًا كَبِيرًا عَلَى مُسْتَوًى، كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِئَةِ مُقَاتِلٍ، وَخَرَجُوا بِمِئَةِ فَرَسٍ، وَسِتِّمِئَةِ دِرْعٍ، وَجِمَالٍ كَثِيرَةٍ لَا يُعْرَفُ عَدَدُهَا، وَخَرَجَ مَعَ قِيَادَةِ الجَيْشِ كُلُّ زُعَمَاءِ الكُفْرِ تَقْرِيبًا.

لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَذَلَ أَقْصَى جُهْدِهِ لِإِنْقَاذِ العِيرِ، وَتَرَكَ الطَّرِيقَ الذي يُوصِلُ إلى بَدْرٍ، وَسَارَ نَحْوَ السَّاحِلِ، وَنَجَا بِهَا، فَأَرْسَلَ إلى قُرَيْشٍ يَقُولُ لَهُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا ـ وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ ـ فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنُسْقِي الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ (الْجَوَارِي) وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا، فَامْضُوا.

وَمَضَتْ قُرَيْشٌ في سَيْرِهَا مُسْتَجِيبَةً لِرَأْيِ أَبِي جَهْلٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِحَقٍّ إِذَا أَرَادَ اللهُ تعالى أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 19/ رمضان /1443هـ، الموافق: 20/نيسان / 2022م