20ـ غزوة بدر، ووفاء الأنصار بالوعد

20ـ غزوة بدر، ووفاء الأنصار بالوعد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْلَامُ مَنْهَجُ حَيَاةٍ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبَّى الرَّعِيلَ الأَوَّلَ عَلَى أَخْلَاقِ الإِسْلَامِ، فَضَرَبُوا للتَّارِيخِ كُلِّهُ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ عَلَى صِدْقِ الوَعْدِ، وَعَلَى الوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَاسْتَطَاعُوا أَنْ يُتَرْجِمُوا الإِسْلَامَ سُلُوكًا وَعَمَلًا، وَإِنَّهُ مَا أَنْزِلَ إِلَّا لِيُحَوَّلَ إلى وَاقِعٍ عَمَلِيِّ.

الأَنْصَارُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بَايَعُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ هِجْرَتِهِ عِنْدَ العَقَبَةِ، فَقَالُوا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟

قَالَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ، فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَقَالَ لَهُ البَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَأَخَذَ بِيَدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.

قَالَ: فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا ـ يَعْنِي الْعُهُودَ ـ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟

قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ مِنِّي أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَاجَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَضَتِ الأَيَّامُ، وَالأَشْهُرُ، وَالسَّنَوَاتُ، وَيَأْتِي أَوَّلُ اخْتِبَارٍ عَلَى صِدْقِ الوَعْدِ وَالعَهْدِ وَالبَيْعَةِ للأَنْصَارِ في غَزْوَةِ بَدْرٍ.

اسْتِشَارَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا نَجَتِ العِيرُ، وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اسْتِشَارَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ يَقْصِدُ الأَنْصَارَ، لِأَنَّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ في دِيَارِهِمْ، وَالآنَ هُمْ خَارِجَ المَدِينَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ» وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: إنَّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا.

فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ أَلَّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ.

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «أَجَلْ».

قَالَ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنحْن مَعَك، فَوَالّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إنَّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ. لَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ؛ فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ، وَنَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ». كَذَا في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَكَذَا تَكُونُ الرِّجَالُ، هَكَذَا يَكُونُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ، الذينَ سَطَّرُوا للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/ رمضان /1443هـ، الموافق: 21/نيسان / 2022م