21ـ غزوة بدر، ودور الشباب

21ـ غزوة بدر، ودور الشباب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى مِقْيَاسٌ لِكُلِّ شَبَابِ الأُمَّةِ، وَوَاجِبٌ عَلَى شَبَابِ الأُمَّةِ أَنْ يَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ في مِيزَانِ شَبَابِ أَهْلِ بَدْرٍ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَيْنَ هُمْ مِمَّنْ عَرَفَ قِيمَةَ الحَيَاةِ، وَعَرَفَ الغَايَةَ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ.

نَعَمْ، مَا خُلِقْنَا لِنَلْعَبَ، وَمَا خُلِقْنَا للشَّهَوَاتِ المُزَيَّفَةِ، خُلِقْنَا لِعَمَارَةِ الكَوْنِ، وَلِحَمْلِ رِسَالَةِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، فَلْنَمْتَثِلْ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

لِذَا وَجَبَ عَلَيْنَا اسْتِغْلَالُ فَتْرَةِ الشَّبَابِ في خِدْمَةِ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ هَذِهِ المَرْحَلَةَ مَرْحَلَةُ القُوَّةِ وَالعَطَاءِ، وَسَوْفَ نُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ».

دَوْرُ الشَّبَابِ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّهُ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَنْصُرَ دِينَ اللهِ تعالى الصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ، وَلَكِنْ مِنْ خِلَالِ قِرَاءَةِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَجِدُ أَنَّ الاعْتِمَادَ شِبْهَ الكُلِّيِّ كَانَ مُرَكَّزًا عَلَى الشَّبَابِ.

هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ كَانُوا في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، فَقَدْ كَانَ مُتَوِسَّطُ العُمُرِ في الجَيْشِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَأَمَّا المَوَاقِعُ القِيَادِيَّةُ فَكَانَتْ كُلُّهَا للشَّبَابِ.

سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ حَامِلُ رَايَةِ المُهَاجِرِينَ وَعُمُرُهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.

سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ حَامِلُ رَايَةِ الأَنْصَارِ وَعُمُرُهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.

سَيِّدُنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ حَامِلُ الرَّايَةِ العَامَّةِ للجَيْشِ وَعُمُرُهُ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.

كَمَا أَنَّ مُتَوَسِّطَ أَعْمَارِ شُهَدَاءِ بَدْرٍ الكِرَامِ تَحْتَ الثَّلَاثِينَ.

فَالشَّبَابُ طَاقَةٌ هَائِلَةٌ يَجِبُ أَنْ تُسْتَغَلَّ في دِينِ اللهِ تعالى، وفي الاتِّبَاعِ لَا في اللَّهْوِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَهَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الشُّيُوخَ قَدِ اسْتَغْنَى الدِّينُ عَنْهُمْ مَعَاذَ اللهِ تعالى، فَهُمْ أَصْحَابُ الحِكْمَةِ التي يُصَدِّرُونَهَا للشَّبَابِ، وَقَالُوا: فَوْرَةُ الشَّبَابِ تَحْتَاجُ إلى حِكْمَةِ الشُّيُوخِ، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الجَمِيعُ في خِدْمَةِ دِينِ اللهِ تعالى، شَبَابًا وَشُيُوخًا.

نَمَاذِجُ إِيمَانِيَّةٌ شَبَابِيَّةٌ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَعَلَّمْ كَيْفَ يَكُونُ الإِيمَانُ الحَقُّ مِنْ شَبَابِ وَرِجَالِ أَهْلِ بَدْرٍ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

النَّمُوذَجُ الأَوَّلُ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي، وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ.

قَالَ: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ لَنَا طَلِبَةً (أَيْ: شَيْئًا نَطْلُبُهُ) فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا».

فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لَا، إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا».

فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ».

فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ».

قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: بَخٍ بَخٍ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.

قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا».

فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

النَّمُوذَجُ الثَّانِي: رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ التَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي، وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟

قَالَ: عَاهَدْتُ اللهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ.

فَقَالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟».

فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ (شَارَفَ عَلى الَموْتِ) قَالَ: أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟

قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ.

قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا وَشَبَابَ الأُمَّةِ كَهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/ رمضان /1443هـ، الموافق: 21/نيسان / 2022م