22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)

22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، مِنْ جُنُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جُنْدِيُّ البَرَكَةِ، وَهُوَ تَضْخِيمُ النَّتِيجَةِ للفِعْلِ البَسِيطِ، تَعْمَلُ شَيْئًا في الأَصْلِ لَا يُؤَدِّي إلى نَتِيجَةٍ كَبِيرَةٍ، فَإِذَا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُبَارِكُ في هَذَا العَمَلِ وَيُضَخِّمُهُ، وَيُضَخِّمُ أَثَرَهُ، حَتَّى تُصْبِحَ النَّتِيجَةُ هَائِلَةً.

إِنَّ أُمَّةً لَا تَقْرَأُ تَارِيخَهَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْرِفَ حَاضِرَهَا، وَلَا أَنْ تُخَطِّطَ لِمُسْتَقْبَلِهَا، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قَصَصَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ لِنَتَدَبَّرَ فِيهَا وَنَسْتَقِيَ مِنْهَا العِبَرَ، وَنَقْرَأَ بَيْنَ سُطُورِهَا وَثَنَايَاهَا الدُّرُوسَ التي كَتَبَهَا اللهُ تعالى في قَوَاعِدَ مُحْكَمَةٍ ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

وَقَضَى اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أَنَّ الأَرْضَ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَكَمَا قَضَتْ حِكْمَتُهُ تعالى أَنْ قَطَعَ عَلَى ذَاتِهِ القُدْسِيَّةِ الوَعْدَ أَنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ المُؤْمِنِينَ، وَرَبَطَ الشَّرْطَ بِالمَشْرُوطِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

اقْرَأِ التَّارِيخَ إِذْ فِيهِ العِبَرْ   ***   ضَاعَ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَبَرْ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الأَحْدَاثِ دَرْسٌ وَعِبْرَةٌ، يَظْهَرُ للمُؤْمِنِ فِيهَا قَدَرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّافِذُ، وَحِكْمَتُهُ البَالِغَةُ، وَمَشِيئَتُهُ التي لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ تَظْهَرُ مِنْ خِلَالِهَا الصُّورَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِأَسْبَابِ النَّصْرِ، وَالصُّورَةُ الحَقِيقِيَّةُ لِأَسْبَابِ الهَزِيمَةِ.

يَوْمُ بَدْرٍ، وَإِعْلَانُ النَّصْرِ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الانْتِصَارَ لَا يُعْلَنُ قَبْلَ اللِّقَاءِ، وَأَنَّهُ في المَعَارِكِ المُهِمَّةِ يَبْقَى الجَزْمُ بِالنَّصْرِ وَالجَوْلَةِ الأَخِيرَةِ حَتَّى اللَّحَظَاتِ الأَخِيرَةِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، لَكِنْ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى المُمَيَّزَةِ أُعْلِنَ النَّصْرُ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ بِسَنَوَاتٍ، قَالَ تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾. وَكَانَ هَذَا في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، حَتَّى قَالَ فَارُوقُ الأُمَّةِ: أَيُّ جَمْعٍ سَيُهْزَمُ؟

جَاءَ يَوْمُ بَدْرٍ الأَغَرُّ، وَصُفَّتِ الصُّفُوفُ، وَتَعَيَّنَ اللِّقَاءُ، مَاذَا صَنَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

تَوَجَّهَ إلى اللهِ تعالى يُنَاشِدُهُ، وَيَسْأَلُ مَوْلَاهُ تَبَارَكَ وتعالى، وَيُلْحِفُ في المَسْأَلَةِ، وَيُلِحُّ في الدُّعَاءِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ.

فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ.

بَعْدَ الدُّعَاءِ وَالإِلْحَاحِ، أَخَذَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَفْنَةٍ مِنَ الحَصَى، وَرَمَى بِهَا في وَجْهِ المُشْرِكِينَ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَنَا بِهِ، فَرَمَانَا بِهَا، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَانْهَزَمْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾.

وَفي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ» فَنَاوَلَهُ، فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَمَا بَقِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحَصْبَاءِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. لَا تَقِسِ الأَمْرَ بِعَدَدِ جُنُودِكَ أَو بِأَسْلِحَتِكَ، أَو بِإِمْكَانِيَّاتِكَ إِذَا كُنْتَ نَصَرْتَ اللهَ تعالى، فَلِلَّهِ تعالى جُنُودٌ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِسِّيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى الرُّعْبُ، قَالَ تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى المَلَائِكَةُ، قَالَ تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾. جُنُودٌ لَا سَبِيلَ لِرُؤْيَتِهِمْ، وَلَا سَبِيلَ لِمُحَارَبَتِهِمْ.

مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى البَرَكَةُ، حَيْثُ يَجْعَلُ اللهُ تعالى مِنَ القَلِيلِ الكَثِيرَ.

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ (أَيْ: طَلَبْنَا رُؤْيَتَهُ) وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ، أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي (يَعْنِي: جَعَلَ عُمَرُ يُطَالِعٌ في السَّمَاءَ وَلَكِنْ لَا يَرَاهُ، فَقَالَ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي، يَعْنِي سَأَرَاهُ بِلَا مَشَقَّةٍ بَعْدُ) ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ، بِالْأَمْسِ، يَقُولُ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ».

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأُوا تِيكَ، كَانُوا يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا.

صَدَرَ قَرَارُ نَتِيجَةِ المَعْرَكَةِ قَبْلَ بَدْئِهَا، لَو لَمْ يَكُنْ يُوحَى إِلَيْهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ؟ إِذًا هُوَ بِحَقٍّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ.

لَقَدْ تَيَقَّنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا مُؤْمِنَةً، وَجِبَاهًا سَاجِدَةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُحِبَّةً للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَآلِفَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تعالى، فَتَحَقَّقَتْ أَسْبَابُ النَّصْرِ، فَأَعْلَنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّصْرَ قَبْلَ بَدْءِ المَعْرَكَةِ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ فِيهِ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ يَتَصَوَّرُ حَفْنَةً مِنْ حَصْبَاءٍ تُصِيبُ جَيْشًا كَامِلًا، تُصِيبُ العُيُونَ وَالمَنَاخِرَ، وَهَذِهِ الحَفْنَةُ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ الهِجْرَةِ كَذَلِكَ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، فَتَعَاهَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى: لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا، قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ، قَدْ تَعَاهَدُوا: أَنْ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ، قَالَ: «يَا بُنَيَّةُ أَدْنِي وَضُوءًا» فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هُوَ هَذَا، هُوَ هَذَا. فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَعُقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ، فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» قَالَ: فَمَا أَصَابَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلَّا قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا.

صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. فَالحَصَى جُنْدِيٌّ مِنْ جُنُودِ اللهِ تعالى.

نَعَمْ، إِنَّهُ لَحَقٌّ «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا كَذَلِكَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

السبت: 22/ رمضان /1443هـ، الموافق: 23/نيسان / 2022م