14ـ أسنانه المتلألئة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

14ـ أسنانه المتلألئة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ الأَطِبَّاءُ: سَلَامَةُ الأَسْنَانِ مَظْهَرٌ لِسَلَامَةِ الأَبْدَانِ؛ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَّاقَ الثَّنَايَا، مُنِيرَ الرَّبَاعِيَّاتِ (الرَّبَاعِيَةُ: هِيَ السِّنُّ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ، وَهِيَ أَرْبَعٌ: رَبَاعِيَتَانِ في الفَكِّ الأَعْلَى، وَرَبَاعِيَتَانِ في الفَكِّ الأَسْفَلِ) جَمِيلَ الضَّوَاحِكِ (الأَسْنَانُ في مُقَدَّمِ الفَمِ هِيَ الضَّوَاحِكُ وَهِيَ الثَّنَايَا وَالأَنْيَابُ وَمَا يَلِيهَا وَتُسَمَّى النَّوَاجِذُ) مَتِينَ الْأَضْرَاسِ، بَهِيًّا إِذَا تَكَلَّمَ أَوِ ابْتَسَمَ سَلَبَ قُلُوبَ الْعَالَمِينَ بِبَهَاءِ سِنِّهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَّاقَ الثَّنَايَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ قَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ عَلِمْتُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي عُمُومَةٍ لِي، فَأُرْشِدْنَا عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى زَمْزَمَ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الصَّفَا، أَبْيَضُ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، لَهُ وَفْرَةٌ (الوَفْرَةُ بِسُكُونِ الفَاءِ هِيَ الشَّعْرُ إلى شَحْمَةِ الأُذُنِ) جَعْدٌ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، أَشَمُّ (الأَشَمُّ: مُرْتَفِعُ قَصَبَةِ الأَنْفِ) أَقْنَى (القِنَى في الأَنْفِ: طُولُهُ وَرِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ، مَعَ حَدَبٍ في وَسَطِهِ) أَذْلَفُ (الذَّلَفُ: قِصَرُ الأَنْفِ وَانْبِطَاحُهُ، وَقِيلَ: ارْتِفَاعُ طَرَفِهِ مَعَ صِغَرِ أَرْنَبَتِهِ) بَرَّاقُ الثنَايَا (أَسْنَانُهُ لَامِعَةٌ بَرَّاقَةٌ) أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ (وَاسِعُهُمَا) كَثُّ اللِّحْيَةِ (هُوَ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ دَقِيقَةٍ وَلَا طَوِيلَةٍ) دَقِيقُ الْمَسْرُبَةَ (أَيْ: الشَّعْرُ الذي في الصَّدْرِ إلى البَطْنِ) شَثْنُ (وَاسِعُ) الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، يَمْشِي عَلَى يَمِينِهِ غُلَامٌ أَمْرَدُ حَسَنُ الْوَجْهِ مُرَاهِقٌ أَوْ مُحْتَلِمٌ، تَقْفُوهُمُ امْرَأَةٌ قَدْ سَتَرَتْ مَحَاسِنَهَا، حَتَّى قَصَدَ نَحْوَ الْحَجَرِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الْغُلَامُ، ثُمَّ اسْتَلَمَتِ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَالْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ يَطُوفَانِ مَعَهُ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ، وَقَامَ الْغُلَامُ عَنْ يَمِينِهِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَامَتِ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا فَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَكَبَّرَتْ، وَأَطَالَ الْقُنُوتَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَقَنَتَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ مَعَهُ، يَصْنَعَانِ مِثْلَ مَا يَصْنَعُ وَيَتَّبِعَانِهِ، قَالَ: فَرَأَيْنَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ نَعْرِفُهُ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَا، فَأَقْبَلْنَا عَلَى الْعَبَّاسِ فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهُ فِيكُمْ، أَشَيْءٌ حَدَثَ؟

قَالَ: أَجَلْ وَاللهِ، أَمَا تَعْرِفُونَ هَذَا؟

قُلْنَا: لَا.

قَالَ: هَذَا ابْنُ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمَرْأَةُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى هَذَا الدِّينِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ:

يَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ (وَاسِعَ الفَمِ) أَشْنَبَ (شَدِيدَ بَيَاضِ الأَسْنَانِ، وَالشَّنَبُ بَهَاؤُهَا) مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ (مُفَرَّقَ الأَسْنَانِ الأَرْبَعِ قَلِيلًا في مُقَدَّمِ الفَمِ، وَهِيَ صِفَةٌ جَمِيلَةٌ لَكِنْ مَعَ القِلَّةِ، لِأَنَّهَا أَتَمُ في الفَصَاحَةِ، لِاتِّسَاعِ الأَسْنَانِ فِيهِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).

يَخْرُجُ النُّورُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ:

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَكَلَّمَ خَرَجَ النُّورُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَزَّةَ بِنْتِ عِيَاضٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا قِرْصَافَةَ يَقُولُ: لَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي وَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ مُنْصَرِفِينَ، قَالَتْ لِي أُمِّي وَخَالَتِي: يَا بُنَيَّ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا، وَلَا أَنْقَى ثَوْبًا، وَلَا أَلْيَنَ كَلَامًا، وَرَأَيْنَا كَأَنَّ النُّورَ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ضَحِكَ تَلَأْلَأَ وَجْهُهُ الشَّرِيفُ، سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَحْسَنُ الصِّفَةِ وَأَجْملُهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ الْجَبِينِ (لَا نُتُوءَ وَلَا ارْتِفَاعَ) شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ الْعَيْنِ، أَهْدَبَ (طَوِيلَ شَعْرِ الْأَجْفَانِ) إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا، لَيْسَ لَهَا أَخْمُصٌ (الأَخْمَصُ مَنْ لَا يَمَسُّ الأَرْضَ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ) إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ كَادَ يَتَلَأْلَأُ فِي الْجُدُرِ (أَيْ: إِنَّ نُورَ وَجْهِهِ الشَّرِيفِ يُشْرِقُ إِشْرَاقًا يَصِلُ إلى الجُدْرَانِ المُقَابِلَةِ لَهُ، كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ) لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَذَا في جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ.

هَذِهِ الْأَسْنَانُ المُنيرةُ لَاكَتْ تَمْرَ الْفَقْرِ فَصَبَرَتْ، وَنَهَشَتْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ فَشَكَرَتْ، وَجَاهَدَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَانْكَسَرَتْ، وَابْتَسَمَتْ لِلآخَرِينَ فَأَسَرَتْ، للهِ دَرُّهَا مِنْ دُرَرٍ جَمَعَتْ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَهَاءِ مَا جَمَعَتْ.

هَذِهِ الْأَسْنَانُ المُنيرةُ مَحَطُّ أَنْظَارِ الْقُلُوبِ الْمُحِبَّةِ، يَشْتَهُونَ ابْتِسَامَةَ الرِّضَا مِنْ دُرَرِهِ الْمُحَمَّدِيَّةِ؛ لِيَنْعُمُوا بِصَفَاءِ الْعَيْشِ وَالسَّعَادَةِ.

هَذِهِ الْأَسْنَانُ المُنيرةُ: كَانَتْ رَمْزَ الجَمَالِ، وَمَظْهَرًا لِلسَّمَاحَةِ وَحُسْنِ الاسْتِقْبَالِ وَالاسْتِهْلَالِ وَالْمُعَامَلَةِ.

هَذِهِ الْأَسْنَانُ المُنيرةُ مِنْ بَيْنِهَا ظَهَرَ النُّورُ، وَعَمَّ الْعَالَمِينَ كُلُّ سُرُورٍ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 1/ ذو القعدة /1443هـ، الموافق: 1/ حزيران / 2022م