9ـ أذناه الشريفتان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

9ـ أذناه الشريفتان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أُذُنَاهُ الشَّرِيفَتَانِ المُبَارَكَتَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ نِعْمَةَ السَّمْعِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْظَمِهَا، مَنَّ اللهُ تعالى بِهَا عَلَيْنَا، وَجَعَلَهَا وَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ العِلْمِ الذي هُوَ سِرُّ حَيَاتِنَا، قَالَ تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾.

السَّمْعُ أحْدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فِي الْإِنْسَانِ، وَأَدَاتُهُ الأُذُنَانِ، وَبِهِ يَعِي الإِنْسَانُ مَعْنَى الخِطَابِ، وَيَتَوَاصَلُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ بَنِي البَشَرِ، وَبِقَدْرِ كَمَالِ الأُذُنَيْنِ يَكُونُ كَمَالُ السَّمْعِ، وَيَكُونُ كَمَالُ النُّطْقِ، وَجَمَالُ التَّوَازُنِ.

لِذَا كَانَتْ أُذُنَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَامَّتَيْنِ، وَاسْتَدَارَتَا فِي اكْتِمَالٍ، مِنْ غَيْرِ اسْتِرْخَاءٍ أَوْ إِقْبَالٍ عَلَى الْوَجْهِ.

وَكَانَتَا مُتَنَاسِقَتَيْنِ مَعَ قَسَمَاتِ وَجْهِهِ وَحَجْمِ رَأْسِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يقولُ سَيِّدُنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كمَا رَوَاهُ البزَّارُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَامَّ الأُذُنَيْنِ.

بِأُذُنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ المُبَارَكَتَيْنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِأُذُنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ سَمِعَ كَلَامَ المَوْلَى مِنْ حَضْرَةِ المَوْلَى، كَمَا سَمِعَ الوَحْيَ المُقَدَّسَ، قَالَ تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾. فَسمِعَ كَلَامَ اللهِ تعالى مِنْ حَضْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

كمَا سَمِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾.

قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ».

فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.

بِأُذُنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ سَمِعَ تَسْبِيحَ الحَصَى، روى البَزَّارُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ جَالِسًا وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَاغْتَنَمْتُ ذَلِكَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: لَا أَقُولُ لِعُثْمَانَ أَبَدًا إِلَّا خَيْرًا لِشَيْءٍ رَأَيْتُهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كُنْتُ أَتْبَعُ خَلَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَذَهَبْتُ يَوْمًا فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ مَا جَاءَ بِكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟».

قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ مَا جَاءَ بِكَ؟».

قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ.

ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ مَا جَاءَ بِكَ».

قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَتَنَاوَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ أَوْ تِسْعَ حَصَيَاتٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ وُضِعْنَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعَ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ فَوَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوُضِعْنَ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وُضِعْنَ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوُضِعْنَ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وُضِعْنَ فَخَرِسْنَ.

بِأُذُنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ سَمِعَ شَكْوَى البَعِيرِ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ؛ قَالَ ابْنُ أَسْمَاءَ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ.

قَالَ: ـ كما في رواية أبي داود ـ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَيْهِ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟».

فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نِعْمَةُ السَّمْعِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ التي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَيْنَا، فَالسَّعِيدُ مِنَّا وَالمُوَفَّقُ مَنِ اسْتَخْدَمَ سَمْعَهُ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ، اسْتَغَلَّهُ في سَمَاعِ القُرْآنِ العَظِيمِ الذي يَزِيدُ في الإِيمَانِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

السَّعِيدُ مَنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ المَظْلُومِينَ فَانْتَصَرَ لَهُمْ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحِفْظِ جَوَارِحِنَا، وَخَاصَّةً جَارِحَةَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالفُؤَادِ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 10/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 15/ كانون الأول / 2021م