131ـ كلمات في مناسبات: وجاء رأس السنة الميلادية

131ـ كلمات في مناسبات: وجاء رأس السنة الميلادية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ المِيَلَادِيَّةِ عَلَى الأُمَّةِ وَهِيَ تَعِيشُ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، تَعِيشُ حَيَاةَ الغَلَاءِ وَالبَلَاءِ وَالوَبَاءِ، تَعِيشُ الأُمَّةُ وَقَدْ تَكَالَبَتْ عَلَيْهَا الأُمَمُ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، لِتَفْتِنَ الأُمَّةَ في دِينِهَا.

جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ المِيَلَادِيَّةِ في هَذَا الوَسَطِ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ وَالكَرْبِ لِيَدْفَعَ بَعْضَ النَّاسِ ـ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ـ للتَّهَيُّؤِ لِارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ حَفَلَاتِ الغِنَاءِ وَالطَّرَبِ، وَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ في النَّوَادِي وَفي المَقَاصِفِ، وَالمَحَلَّاتِ العَامَّةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يُقْبِلُ عَلَى شُرْبِ الخُمُورِ، وَالمُقَامَرَةِ، وَمَا إلى ذَلِكَ مِنَ المَعَاصِي وَالكَبَائِرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَاتِجٌ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ».

قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟

قَالَ: «فَمَنْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يُقَلِّدُونَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

يُقَلِّدُونَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.

يُقَلِّدُونَ أَهْلَ الفِسْقِ وَالفُجُورِ في فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ، عِوَضًا مِنْ أَنْ يَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُحَوِّلُ حَالَهُمْ إلى حَالٍ أَحْسَنَ، وَلَكِنْ قَسَتِ القُلُوبُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

الإِقْبَالُ عَلَى الدَّجَّالِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَالأَسْوَأُ مِنْ هَذَا، أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الدَّجَّالِينَ الكَذَّابِينَ المُفْتَرِينَ مِنَ المُنَجِّمِينَ الذينَ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ المُسْتَقْبَلِ، يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ الغَيْبِ.

نَعَمْ، لَقَدْ عَادَتِ الخُرَافَةُ، وَتَجَدَّدَ مَذْهَبُ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ، وَبَرَزَ المُنَجِّمُونَ وَالمُشَعْوِذُونَ، وَانْتَشَرَ صِيتُهُمُ انْتِشَارًا كَبِيرًا، وَأَصْبَحَ لَهُمْ صِيتٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِإِفْكِهِمُ الوَاضِحِ زَبَائِنُ وَمُرَوِّجُونَ، بَلْ وَصَارَتْ وَسَائِلُ الإِعْلَامِ المَرْئِيَّةُ وَالمَسْمُوعَةُ وَالمَكْتُوبَةُ في خِدْمَتِهِمْ، تَحْتَ عُنْوَانِ: الأَبْرَاجِ، أَو: الحَظِّ وَالأَبْرَاجِ، أَو: حَظِّكَ وَالنُّجُومِ.

نَعَمْ، عَادَ الدَّجَّالُونَ الذينَ هُمْ بَيْنَ يَدَيِ الدَّجَّالِ الأَكْبَرِ للظُّهُورِ لِيَلْعَبُوا بِعُقُولِ النَّاسِ، وَيَبْتَزُّوا أَمْوَالَ السُّذَّجِ مِنْهُمْ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا أَرَادَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ المَسِيرَ لِقِتَالِ الخَوَارِجِ، عَرَضَ لَهُمْ مُنَجِّمٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لَا تُسَافِرْ؛ فَإِنَّ الْقَمَرَ فِي العَقْرَبِ؛ فَإِنَّكَ إِنْ سَافَرْتَ وَالْقَمَرُ في الْعَقْرَبِ هُزِمَ أَصْحَابُكَ.

فَقَالَ عَلَيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَلْ أُسَافِرُ ثِقَةً بِاللهِ وَتَوَكُّلًا عَلَى اللهِ وَتَكْذِيبًا لَكَ؛ فَسَافَرَ فَبُورِكَ لَهُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ حَتَّى قَتَلَ عَامَّةَ الْخَوَارِجِ. كذا في كتاب مجموع الفتاوى.

الْزَمُوا إِيمَانَكُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الْزَمُوا إِيمَانَكُمْ، وَحَافِظُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ بِإِعْرَاضِكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ المُنَجِّمِينَ الكَذَّابِينَ، وَاسْمَعُوا حَدِيثَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

وروى الإمام مسلم عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».

تَصْدِيقُهُمْ فِيهِ خَطَرٌ عَلَى الإِيمَانِ، وَقَدْ يُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ المِلَّةِ، وَالسَّامِعُ لَهُمْ بِدُونِ تَصْدِيقٍ لَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احْذَرُوا الدَّجَّالِينَ، وَاحْذَرُوا النَّظَرَ في الأَبْرَاجِ لِمَعْرِفَةِ مَا يَحْدُثُ مُسْتَقْبَلًا مِنَ الغَيْبِ، الذي قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾. وَقَالَ فِيهِ: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاسْتِمَاعَ للمُنَجِّمِينَ وَقِرَاءَةَ الأَبْرَاجِ مِنَ الجَرَائِدِ وَالمَجَلَّاتِ، وَمُشَاهَدَتَهَا عَلَى القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الاعْتِقَادِ، فَحَافِظُوا عَلَى إِيمَانِكُمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مُرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، وَكُونُوا قُدْوَةً صَالِحَةً لِغَيْرِكُمْ، لِنَنْدَرِجَ جَمِيعًا تَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رواه الإمام مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ تَقْلِيدِ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ، فَمَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، روى الإمام أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَيْلٌ لِمَنْ جَالَسَ أَهْلَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، أَو فَرِحَ بِظُهُورِهِمْ، أَو رَضِيَ بِبَاطِلِهِمْ، أَو أَشَادَ بِأَمْثَالِهِمْ، أَو سَاعَدَهُمْ وَسَانَدَهُمْ، أَو أَعْلَنَ فُجُورَهُمْ، أَو كَثَّرَ سَوَادَهُمْ، وَمَنْ رَضِيَ بِعَمَلِ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَالرِّضَا بِالمَعْصِيَةِ وِزْرٌ، وَالرِّضَا بِالكُفْرِ كُفْرٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾.

وَيْلٌ لِمَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَقْتِ اللهِ وَغَضَبِهِ وَسُخْطِهِ، وَيْلٌ لَهُ يَوْمَ يَلْقَى شُؤْمَ أَفْعَالِهِ، وَعَاقِبَةَ أَمْرِهِ وَمَكْرِهِ، وَكَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ خُسْرًا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ وَأَصْحَابِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ ـ يَعْنِي الفَقِيرَ ـ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ».

قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ».

الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ جُلَسَاءِ السُّوءِ الذينَ لَا يُعِينُونَ عَلَى خَيْرٍ، وَلَا يُرْشِدُونَ إلى طَاعَةٍ.

جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ، وَأَقْبَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَعَلَى الدَّجَّالِينَ المُنَجِّمِينَ، فَهَلْ مِنْ تَائِبٍ؟

اللَّهُمَّ احْفَظِ العِبَادَ وَالبِلَادَ مِنْ جَمِيعِ مَا يُسْخِطُكَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 24/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 29/ كانون الأول / 2021م