795ـ خطبة الجمعة: ماذا حصل لنا يا أيتها الأمة المصطفاة؟

795ـ خطبة الجمعة: ماذا حصل لنا يا أيتها الأمة المصطفاة؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ أُمَّةٌ اصْطَفَانَا اللهُ تعالى وَاخْتَارَنَا لِنَكُونَ مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ حَظُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَنَحْنُ حَظُّهُ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَةَ، فَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ أَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟

قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا.

قَالَ: فَسُرِّيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ، وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، إِنَّكُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ، وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ».

نَحْنُ أُمَّةٌ اصْطَفَانَا اللهُ تعالى وَاخْتَارَنَا لِحَمْلِ رِسَالَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.

نَحْنُ أُمَّةٌ اصْطَفَانَا اللهُ تعالى وَاخْتَارَنَا لِنَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

نَحْنُ أُمَّةٌ اصْطَفَانَا اللهُ تعالى وَاخْتَارَنَا فَجَعَلَنَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا، فَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾. وَكَلِمَةُ لَنْ تُفِيدُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْبِيدَ، يَعْنِي حَتَّى يَرِثَ اللهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

مَاذَا حَصَلَ لَنَا يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المُصْطَفَاةُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: الوَاجِبُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ تَكُونَ مَتْبُوعَةً مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَا أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِأَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَنْعَمَ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ بِتَشْرِيعٍ كَامِلٍ تَامِّ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

وَلَكِنْ أَتَسَاءَلُ مَعَ نَفْسِي وَمَعَكُمْ، مَا الذي حَصَلَ لَنَا يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المُصْطَفَاةُ؟ لِمَاذَا ضَاعَتْ هُوِيَّتُنَا؟ لِمَاذَا ضَاعَتْ قِيَمُنَا؟ لِمَاذَا ضَاعَتْ أَخْلَاقُنَا؟ لِمَاذَا غَابَت شَرِيعَتُنَا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَسْوَاقِنَا وَشَوَارِعِنَا؟ لِمَاذَا غَابَ دِينُنَا مِنْ مُعَامَلَاتِنَا وَأَفْرَاحِنَا وَأَحْزَانِنَا؟

هَلْ نَسِينَا مَنْ نَحْنُ؟ هَلْ نَسِينَا نِعْمَةَ اللهِ تعالى التي أَسْبَغَهَا عَلَيْنَا وَحُرِمَهَا غَيْرَنَا؟ وَمَنْ حُرِمَهَا سَوْفَ يَعَضُّ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

مَاذَا حَصَلَ لَنَا يَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ المُصْطَفَاةُ، وَخَاصَّةً كُلَّمَا جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ؟ لِمَاذَا نُكَثِّرُ مِنْ سَوَادِ أَهْلِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؟ لِمَاذَا نُجَاهِرُ بِالمَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ؟

أَلَمْ يُحَذِّرْنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الاقْتِدَاءِ بِغَيْرِنَا، فَقَالَ لَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ».

قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟

قَالَ: «فَمَنْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ أَمِنَ المَعْقُولِ أَنْ نَتَّبِعَ سَنَنَهُمْ، وَاللهُ تعالى القَائِلُ لَنَا: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الاسْتِقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ عَلَى شَرْعِ اللهِ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ اتِّبَاعِ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، ﴿فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.

الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ خَسَارَةِ الآخِرَةِ بَعْدَ خَسَارَةِ الدُّنْيَا ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» رواه الإمام مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلَا تَكُونُوا مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» رواه الإمام البخاري.

وَمِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 31/ كانون الأول / 2021م