16ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أولى بالأنبياء من أممهم

16ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أولى بالأنبياء من أممهم

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، جَعَلَهُ رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ السَّابِقِينَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أُمَمِهِمْ، وَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَمَاذَا يَكُونُ؟

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ مِنْ أُمَمِهِمْ:

يَقُولُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَزِيزِ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وروى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ أَبِي وَخَلِيلِي إِبْرَاهِيمَ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

لِهَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُظْهِرَ لِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الحَنِيفِ بَعْدَ اضْمِحْلَالِهِ وَخَفَائِهِ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ، أَوْ ك ف ر، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ (يُرِيدُ نَفْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَالمَعْنَى أَنَّهُ شَبِيهٌ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ فَكَأَنَّمَا رُئِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ (مُكْتَنِزُ اللَّحْمِ أَسْمَرُ البَشَرَةِ)  عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ (مَزْمُومٌ بِلِيفَةٍ) كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الوَادِي».

حَتَّى إِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَهُ في خُلَّةِ اللهِ تعالى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَدْ أَكَّدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى وِلَايَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ تُرِيدُ الانْتِسَابَ إِلَيْهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى يُرِيدُونَ هَذَا، وَالمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ هَذَا، فَبَيَّنَ اللهُ تعالى حَقِيقَةَ هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟

فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ.

وفي رِوَايَةٍ: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وفي رِوَايَةٍ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ».

فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ حَبِيبُ حَبِيبِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَبِيبُنَا، وَنَحْنُ نَحْمِلُ نَهْجَهُ، لَا اليَهُودُ الذينَ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ، فَصَارُوا أَبْنَاءَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ».

قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ مِنْ أُمَمِهِمْ، بَلْ أُمَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ مِنْ أُمَمِهِمُ الذين حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ تعالى وَعَلَى رُسُلِهِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ رُسُلِ اللهِ، وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنُؤْمِنُ بِكُلِّ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الحَقَّةِ، وَقدْ شَهِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.

وَفي الخِتَامِ أَقُولُ: أُمَّتُنَا أُمَّةٌ مُبَارَكَةٌ، أُمَّةٌ مَتْبُوعَةٌ لَا تَابِعَةٌ، أُمَّتُنَا بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ امْتِدَادٌ للأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَكُلُّ نَبِيٍّ وَكُلُّ صَالِحٍ تَابِعٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْ قَوْمِهِ الذينَ كَذَّبُوهُ، وَعَصَوْهُ

وَبِكُلِّ أَسَفٍ أَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَمَا عَلِمُوا هَذِهِ الحَقِيقَةَ، وَعَرَفُوا أَنَّ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّةٌ تَحْتَرِمُ بَعْدَ الإِيمَانِ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، أَرَادُوا بِمَكْرِهِمُ الخَبِيثِ أَنْ يَسْتَغِلُّوا هَذِهِ الحَقِيقَةَ لِتَمْيِيعِ المُسْلِمِينَ وَكَسْرِ تَمَيُّزِهِمْ، وَمُحَاوَلَةِ تَحْطِيمِ اعْتِزَازِهِمْ بِهَذَا الدِّينِ، بِطَرْحِ المُؤْتَمَرَاتِ لِبَحْثِ مَا يُسَمُّونَهُ وَحْدَةَ الأَدْيَانِ، وَالمُحَاوَلَةِ الجَادَّةِ لِتَقْرِيبِ وِجْهَاتِ النَّظَرِ بَيْنَ أَصْحَابِ التَّشْرِيعَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، وَدَمْجِهَا بِدِينٍ وَاحِدٍ، وَصَارَ لِهَذِهِ الفِكْرَةِ جُنُودٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَبِكُلِّ أَسَفٍ، وَتَنَاسَى هَؤُلَاءِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

اللَّهُمَّ أرِنَا الحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَحَبِّبْنَا فِيهِ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلًا وَأَلْهِمْنَا اجْتِنَابَهُ وَكَرِّهْنَا فِيهِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 29/جمادى الأولى /1443هـ، الموافق: 3/ كانون الثاني / 2022م