802ـ خطبة الجمعة: إلى متى هذه الغفلة؟

802ـ خطبة الجمعة: إلى متى هذه الغفلة؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾. الكَثِيرُونَ غَفَلَوا عَنِ الآخِرَةِ، وَعَمَّا خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهِ، كَأَنَّهُمْ خُلِقُوا للدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، كَأَنَّهُمْ خُلِقُوا للنِّسَاءِ وَالقَنَاطِيرِ المُقْنَطَرَةِ، كَأَنَّهُمْ خُلِقُوا للدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَهُمْ في سَبِيلِهَا يَتَقَاتَلُونَ، وَبِسَبَبِهَا يَتَهَاوَنُونَ أَو يَتْرُكُونَ أَوَامِرَ اللهِ تعالى.

غَرِقُوا في بِحَارِ الدُّنْيَا فَلَا يُحِلُّونَ حَلَالًا، وَلَا يُحَرِّمُونَ حَرَامًا ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.

مَنْ يَرَى أَحْوَالَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ جُرْأَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ بِارْتِكَابِ الكَبَائِرِ، وَظُلْمِهِمْ للآخَرِينَ بِسَلْبِ أَمْوَالِهِمْ، وَانْتِهَاكِ أَعْرَاضِهِمْ، يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِيَوْمِ القِيَامَةِ وَمَا فِيهَا، أَو أَنَّ لِسَانَ حَالِهِمْ وَقَالِهِمْ يَقُولُ كَمَا قَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾.

هَؤُلَاءِ نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ، وَتَعَامَوْا عَمَّا أَمَامَهُمْ مِنْ أَهْوَالٍ وَصِعَابٍ ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. حَرَصُوا عَلَى رَاحَةِ أَبْدَانِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ في الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، وَأَهْمَلُوا سَعَادَتَهُمْ وَرَاحَتَهُمْ في الآخِرَةِ البَاقِيَةِ.

إلى مَتَى هَذِهِ الغَفْلَةُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ غَفَلَ عَنِ اللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ: إلى مَتَى هَذِهِ الغَفْلَةُ؟ إلى مَتَى هَذَا الإِعْرَاضُ عَنِ اللهِ تعالى؟ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ يَا أَخِي أَنْ تَصْحُوَ مِنْ غَفْلَتِكَ؟ أَمَا آنَ لِهَذَا القَلْبِ القَاسِي أَنْ يَلِينَ وَيَخْشَعَ لِرَبِّ العَالَمِينَ؟ أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَسْمَعَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.

قُولُوا للمُرَابِي: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالباطِلِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ بِارْتِكَابِ المُوبِقَاتِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ يَظْلِمُ الآخَرِينَ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنِ اتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةَ فَانْتَهَكَ الأَعْرَاضَ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ يَنْشُرُ الفَسَادَ وَالإِفْسَادَ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ فَتَنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ غَرِقَ في النَّظَرَ إلى الأَفْلَامِ الخَلَاعِيَّةِ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ كَانَتْ كَاسِيَةً عَارِيَةً: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنْ جَاهَرَ بِالمَعْصِيَةِ وَاسْتَخَفَّ بِهَا: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

قُولُوا لِمَنِ اتَّبَعَ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَسِيرَ في قَافِلَةِ التَّائِبِينَ؟ أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَصْطَلِحَ مَعَ اللهِ تعالى رَبّ العَالَمِينَ؟ أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَسْتَحْيِيَ مِنَ اللهِ تعالى حَقَّ الحَيَاءِ؟ أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تعالى عَلَى نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، وَأَنْ لَا نَكْفُرَ بِهَا؟ أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَخَافَ اللهَ تعالى رَبَّ العَالَمِينَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ مِنَّا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَحْرُومًا مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَسْمَعَ الخِطَابَ: يَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَأَنْ يَسْمَعَ خُطْبَةَ الشَّيْطَانِ: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؟

مَنْ مِنَّا يُرِيدُ أَنْ يَنْدَرجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾. وَلَا يَنْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾؟

مَا أَجْمَلَكَ يَا عَبْدَ اللهِ عِنْدَمَا تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعِنْدَمَا تَجْتَمِعَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾.

مَا أَجْمَلَكَ وَأَنْتَ قَدِ انْدَرَجْتَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا﴾.

هَلُمُّوا يَا عِبَادَ اللهِ وَنَحْنُ في شَهْرِ رَجَبٍ المُحَرَّمِ الذي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فِيهِ وَفي سَائِرِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. لِأَنْ نُعْلِنَ تَوْبَتَنَا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَقُولَ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

هَلُمُّوا لِأَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى لَعَلَّنَا نَسْمَعُ الخِطَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَهِيَ تَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي.

لِأَنَّ اللهَ تعالى أَقْسَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾.

هَلُمُّوا للاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى قَبْلَ المَمَاتِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ مَاتَ عَلَى تَوْبَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 16/ رجب /1443هـ، الموافق: 18/ شباط / 2022م