837ـ خطبة الجمعة: وجوب طاعة صاحب الذكرى

837ـ خطبة الجمعة: وجوب طاعة صاحب الذكرى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: جَاءَ شَهْرُ الرَّبِيعِ لِيُذَكِّرَ الأُمَّةَ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْهَا، بَلْ لِيُذَكِّرَهَا بِأَجَلِّ نِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، أَلَا وَهِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَبَاحًا وَمَسَاءً: آمَنْتُ بِكِتَابِكِ الذي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.

نِعْمَةُ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْظَمِهَا، حَيْثُ سَيَتَمَنَّى يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ حُرِمَهَا لَو تُسَوَّى بِهِ الأَرْضُ، وَلَا يَكْتُمُ اللهَ حَدِيثًا، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.

نِعْمَةُ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجَلِّ وَأَعْظَمِ النِّعَمِ التي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَيْنَا، حَيْثُ سَيَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذْ حُرِمَهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

وُجُوبُ طَاعَةِ صَاحِبِ الذِّكْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ تعالى بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اعْلَمُوا أَنَّ طَاعَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً مُطْلَقَةً وَاجِبَةٌ عَلَيْنَا بِدُونِ قَيْدٍ وَلَا شَرْطٍ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.

وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾.

وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ تعالى بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تعالى حَذَّرَنَا مِنْ عِصْيَانِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ بِصَاحِبِ الذِّكْرَى، يَا أَيُّهَا الفَرِحُونَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الإِيمَانَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالفَرَحَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ يَجْعَلُكُمْ مِمَّنْ أَجَابَ مَا أَمَرَهُ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، لَا مِمَّنْ قَالَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا.

يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ بِصَاحِبِ الذِّكْرَى، يَا أَيُّهَا الفَرِحُونَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ بِصَاحِبِ الذِّكْرَى، يَا أَيُّهَا الفَرِحُونَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَمَا سَمِعْتُمُ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ».

فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ».

قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي.

فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ».

قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.

وَفي رِوَايَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ.

فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ».

يَا عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا التَّمَادِيَ في الظُّلْمِ، فَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى ظَالِمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَلْفَحُهُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا تَظُنُّوا أَنَّ الفَرَحَ بِذِكْرَى مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ امْتِثَالِ أَمْرِ صَاحِبِ الذِّكْرَى، وَبِدُونِ اجْتِنَابِ نَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكْفِي.

إِنَّ دُخُولَ الجَنَّةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِدْقِ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالالْتِزَامِ بِأَوَامِرِهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 11/ربيع الأول /1444هـ، الموافق: 7/ تشرين الأول / 2022م