19ـ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم

19ـ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

صَدْرُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، وَلَا بِالْقَلِيلِ النَّحِيلِ، وَلَا يَعْدُو بَعْضُ لَحْمِهِ بَعْضًا، كَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ أَعَالِي الصَّدْرِ، خَلَا ثَدْيَيْهِ وَبَطْنِهِ مِنَ الشَّعْرِ الْكَثِيرِ.

قَالَ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَقَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ الْمَرَايَا فِي شِدَّتِهَا وَاسْتِوَائِهَا، لَا يَعْدُو بَعْضُ لَحْمِهِ بَعْضًا، عَلَى بَيَاضِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، مَوْصُولٌ مَا بَيْنَ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ مُنْقَادٌ كَالْقَضِيبِ، لَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.

وَيَقُولُ هِنْدُ بْنُ أَبِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَ الخَلقِ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا، سَوَاءَ البَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.

وَأَمَّا عَنْ مَسْرُبَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَهِيَ الشَّعْرُ الدَّقِيقُ الَّذِي يَبْدَأُ مِنَ الصَّدْرِ وَيَنْتَهِي بِالسُّرَّةِ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ دَقِيقَهَا، كَالْخَيْطِ جَمِيلَةً بَهِيَّةً:

 يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَقَدْ ذَكَرَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ:

وَأَشْعَرَ الصَّدْرِ دَقِيقَ المَسْرُبَهْ   ***   مِنْ سُرَّةٍ حَتَّى يُحَاذِي لَبَّتَهْ

هَذَا الصَّدْرُ الشَّرِيفُ، وَالْقَلْبُ الْمُنِيفُ، كَانَ فِي عَيْنِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ فَشُقَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِيَشْمَلَ الـشَّرْحَ، وَالْمَدْحَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ الْمَوْلَى تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَنْ ذَلِكَ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.

وأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَى الْعَالَمُ جَمِيعًا جَمَالَ ظَاهِرِهِ بِأَخْلَاقِهِ الْحَمِيدَةِ؛ فَلْيَرَوْا وَلْيَعْرِفُوا بِشَقِّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ جَمَالَ وَنَقَاءَ بَاطِنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هَذَا الصَّدْرُ الشَّرِيفُ: مَا أَدَارَهُ عَنْ أَحْبَابِهِ، بَلْ وَسَّعَ بِهِ كُلَّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَمُحِبٍّ وَمُبْغِضٍ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ـ زَعِيمُ المُنَافِقِينَ ـ أَتَى ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ قَدْ وَضَعْنَاهُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ يُصَلِّي عَلَيْه، قُمْتُ فِي صَدْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللهِ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا، وَالْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا، أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ الْخَبِيثَةَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَنِّي يَا عُمَرُ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

هَذَا الصَّدْرُ الشَّرِيفُ: كَانَتِ الْأَرْوَاحُ فِدَاهُ، رَوَى الحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يَرْمِي يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا رَمَى يَرْفَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَخْصَهُ لَيَنْظُرَ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَرْفَعُ صَدْرَهُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، لَا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ.

وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَوَدُّ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَجْلَدُ قَوْمِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ.

هَذَا الصَّدْرُ الشَّرِيفُ: كَانَ مَوْضِعَ مَسْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعِنَايَتِهِ فَيَتَعَاهَدُهُ بِالْأَذْكَارِ، وَيَنْفُثُ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ الْمُبَارَكِ الشَّرِيفِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 27/ جمادى الأولى /1444هـ، الموافق: 21/ كانون الأول / 2022م