198ـ ما أحوجنا إلى العودة إلى ديننا

كلمة شهر شعبان 1444

198ـ ما أحوجنا إلى العودة إلى ديننا

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا اليَوْمَ في زَمَنٍ عَظُمَتْ فِيهِ المَصَائِبُ، وَحَلَّتْ بِهِ الرَّزَايَا، وَتَتَخَطَّفُ الأُمَّةَ أَيْدِي حَاسِدِيهَا، وَتَنْهَشُهَا أَفْوَاهُ أَعَادِيهَا؛ الكَرَامَةُ مَسْلُوبَةٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، وَالحُقُوقُ مَنْهُوبَةٌ وَمَهْضُومَةٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، وَالأَرَاضِي مَغْصُوبَةٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، وَالحَرْبُ عَلَى أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ جِهَارًا نَهَارًا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

مَا أَحْوَجَنَا إلى العَوْدَةِ إلى دِينِنَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا إلى العَوْدَةِ إلى دِينِنَا، مَا أَحْوَجَنَا إلى النَّظَرِ في مَوَاقِعِ الخَلَلِ في أَعْمَالِنَا وَمَوَاطِنِ الزَّلَلِ، مَا أَحْوَجَنَا إلى إِصْلَاحِ مَا فَسَدَ فِينَا، مَا أَحْوَجَنَا إلى أَنْ نَكُونَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، لَعَلَّنَا نَغْسِلُ عَنَّا أَوْزَارَ الذُّلِّ وَالهَوَانِ، وَنُزِيلُ غُصَصَ القَهْرِ والخِذْلَانِ، وَنَتَخَلَّصُ مِنْ ذِلَّةِ التَّبَعِيَّةِ وَالتَّقْلِيدِ لِأَبْنَاءِ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا إلى العَوْدَةِ للعُلَمَاءِ العَامِلِينَ المُخْلِصِينَ، الذينَ لَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، في زَمَنٍ مُيِّعَتْ فِيهِ الحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ، وَضُيِّعَتْ فِيهِ ثَوَابِتُ الدِّينِ الحَنِيفِ، وَانْتَشَرَتِ الأَفْكَارُ المَسْمُومَةُ، وَالمُصْطَلحَاتُ الشَّيْطَانِيَّةُ المَذْمُومَةُ، وَالاجْتِهَادَاتُ العَقِيمَةُ الفَاسِدَةُ المَبْنِيَّةُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الهَوَى وَالضَّلَالِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا اليَوْمَ إلى الالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

وَمَا أَحْوَجَنَا إلى الالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا إلى العَوْدَةِ لِدِينِنَا، رَبُّنَا اللهُ تعالى وَاحِدٌ، وَدِينُنَا وَاحِدٌ، وَكِتَابُنَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا هُوَ سَيِّدُنَا وَسَيِّدُ الأَنَامِ، سَيِّدُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، سَيِّدُ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَا سَمِعْنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ (أَيْ: لَا تَغْدِرُوا بِه وَتَنْقُضُوا عَهْدَهُ)»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمَا سَمِعْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»؟ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمَا سَمِعْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

في الخِتَامِ أَقُولُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنِ انْتَصَرْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهْوَائِنَا وَشَهَوَاتِنَا، وَالْتَزَمْنَا شَرْعَ اللهِ تعالى سُلُوكًا وَعَمَلًا، وَطَبَّقْنَا شَرْعَ اللهِ تعالى في جَمِيعِ مَنَاحِي حَيَاتِنَا، وَاسْتَقَامَ أَفْرَادُ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ قَضِّهَا إلى قَضِيضِهَا، وَمِنْ حُكَّامِهَا إلى مَحْكُومِيهَا، وَمِنْ رِجَالِهَا إلى نِسَائِهَا، فَإِنَّ اللهَ تعالى لَنْ يَتَخَلَّى عَنَّا، وَسَوْفَ يَنْصُرُنَا، وَيُعِيدُ لَنَا عِزَّنَا، وَسَوْفَ تَعْلُو كَلِمَتُنَا، وَنُحَافِظُ عَلَى نِعَمِنَا، وَيَشْتَدُّ عَزْمُنَا، وَتَزْدَادُ قُوَّتُنَا، وَنَنْفُضُ الوَهَنَ عَنْ عَاتِقِنَا، ذَلِكَ الوَهَنُ الذي أَخْبَرَ عَنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا».

قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ».

قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟

قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا لَمْ نَلْتَزِمْ دِينَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَحْنُ عَلَى خَطَرٍ: أَنْ يَنَالَنَا وَعِيدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَإِنِ الْتَزَمْنَا فَوَعْدُ اللهِ تعالى لَا يُخْلَفُ وَللهِ الحَمْدُ، قَالَ تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنَا وَلَا تَسْتَبْدِلْنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 1/شعبان /1444هـ، الموافق: 21/ شباط / 2023م