22ـ من رحمته أنه كان نذيرًا

22ـ من رحمته أنه كان نذيرًا

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الذي يُنْذِرُ قَوْمَهُ ـ خَاصَّةً مِنْ أَمْرٍ خَطِيرٍ ـ إِنَّمَا يَبْعَثُهُ عَلَى إِنْذَارِهِمُ الحِرْصُ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يُصَابُوا بِأَذًى، وَلَو كَانَ غَيْرَ مُبَالٍ بِمَا يَحْدُثُ لَهُمْ لَما أَنْذَرَهُمْ.

وَلَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إلى البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، وَهُوَ رَحْمَةٌ للعَالَمِينَ، وَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ بِالمُؤْمِنِينَ، لِذَا كَانَ نَذِيرًا وَبَشِيرًا للبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ لِقَوْمِهِ قُرَيْشٍ فَقَطْ، أَو للعَرَبِ فَقَطْ، لِذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ بَيْنَ جَنَبَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الرَّحْمَةَ وَالرِّقَّةَ وَالشَّفَقَةَ، وَالحُنُوَّ وَالعَطْفَ، وَالمُسَامَحَةَ وَالصَّفْحَ، وَإِغْفَالَ الذَّاتِ، وَحُبَّ مَصَالِحِ الخَلْقِ.

مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ نَذِيرًا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾.

فَجَعَلَهُ سِرَاجًا مُنِيرًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ سِرَاجًا وَهَّاجًا ـ كَمَا هُوَ وَصْفُ الشَّمْسِ ـ رَحْمَةً بِالخَلْقِ، إِذْ لَو كَانَ سِرَاجًا وَهَّاجًا لَكَانَ النَّفْعُ أَقَلَّ، وَالضَّرَرُ أَكْثَرَ، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى اخْتَارَ لَهُ وَصْفًا مِنَ الشَّمْسِ ـ سِرَاجًا ـ وَوَصْفًا مِنَ القَمَرِ ـ مُنِيرًا ـ لِيَقَعَ النَّفْعُ للخَلْقِ، وَهَذَا غَايَةُ الرَّحْمَةِ.

فَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ تعالى للخَلْقِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَمَنْ أَطَاعَهُ بَشَّرَهُ بِالجَنَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ، وَمَنْ عَصَاهُ أَنْذَرَهُ عِقَابَ اللهِ تعالى وَنِقْمَتَهُ وَنَارَهُ.

رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا».

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَفِيقًا بِأُمِّتِهِ، رَحِيمًا بِهِمْ، يَخْشَى عَلَيْهِمْ مِنَ الذُّلِّ وَالهَوَانِ، ويَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنَ الخَطِيئَةِ وَالعِصْيَانِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَهُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

إِي وَاللهِ، لَا صَلَاحَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالأَخْذِ بِالهَدْيِ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالارْتِبَاطِ بِحَبْلِ اللهِ المَتِينِ، وَالنَّهلِ مِنْ نُورِ الوَحْيَيْنِ، وَتَحْكِيمِهِمَا في شُؤُونِ الحَيَاةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِهَذِهِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ بُعِثَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا العَطْفِ تَعَامَلَ مَعَ أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كَمْ نَحْتَاجُ إلى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الزَّكِيَّةِ؟ وَكَمْ نَحْتَاجُ إلى التَّمَسُّكِ بِمَبَادِئِ هَذَا الدِّينِ الرَّضِيَّةِ، الرَّحْمَةُ تَعْنِي تَوَاضُعَ النَّفْسِ، وَبَذْلَ المَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ؛ وَمِنْ صُوَرِهَا الإِنْذَارُ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَخَاصَّةً في زَمَنٍ انْغَمَسَ الكَثِيرُ في المُحَرَّمَاتِ، وَاجْتَرَأُوا عَلَى انْتِهَاكِ المَحَارِمِ، وَبَارَزُوا جَبَّارَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِالمَعَاصِي.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَمَامَنَا عَقَبَةٌ عَظِيمَةٌ كَؤُودٌ، لَا بُدَّ أَنْ نَحْسِبَ حِسَابَهَا، وَكَيْفَ سَنَتَخَطَّاهَا، قَالَ تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾.

أَعْظَمُ فَوْزٍ وَنَجَاحٍ هُوَ أَنْ نَنْجُوَ مِنْ نَارِ الجَبَّارِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ النَّاجِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 14/صفر /1444هـ، الموافق: 12/أيلول / 2022م