834ـ خطبة الجمعة: احذر دموع المظلومين

834ـ خطبة الجمعة: احذر دموع المظلومين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ تَرْجُونَ لِأَنْفُسِكُمْ سَعَادَةً في الدُّنْيَا، وَنَجَاةً في الآخِرَةِ، يَا مَنْ تَرْجُونَ أَنْ تُزَحْزَحُوا عَنِ النَّارِ، وَتَدْخُلُوا الجَنَّةَ، لِأَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. اعْلَمُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ سَيِّئَةٌ، وَهُوَ مَنْبَعُ كُلِّ رَذِيلَةٍ، وَمَصْدَرُ كُلِّ شَرٍّ، وَإِذَا انْتَشَرَ الظُّلْمُ وَشَاعَ في أُمَّةٍ أَهْلَكَهَا، وَإِذَا حَلَّ بِقَرْيَةٍ أَو مَدِينَةٍ دَمَّرَهَا؛ الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ تَزِلُّ بِهِ الأَقْدَامُ، وَتَضِلُّ بِهِ الأَفْهَامُ، وَيَنْتَشِرُ بِسَبَبِهِ الفَزَعُ وَالاضْطِرَابُ بَيْنَ النَّاسِ.

«أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ في سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟».

فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

جَمَلٌ ظُلِمَ، فَحَنَّ وَأَنَّ وَشَكَا أَمْرَهُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً بِالجَمَلِ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الجَمَلِ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

يَا هَذَا: لَقَدْ ذَلَّلَ اللهُ تعالى لَكَ الجَمَلَ وَسَخَّرَهُ لَكَ، أَلَا تَتَّقِي اللهَ تعالى فِيهِ؟ لَو لَمْ يُذَلِّـلْهُ اللهُ لَكَ هَلْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنْهُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ ظَالِمٍ ظَلَمَ بِقُدْرَتِهِ وَبِقُوَّتِهِ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ، وَلَا حَوْلَ لَهُمْ وَلَا قُوَّةَ: احْذَرْ دُمُوعَ المَظْلُومِينَ، وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَنْ تَذْهَبَ دُمُوعُهُمْ سُدًى، وَلَنْ تَذْهَبَ حَسَرَاتُهُمْ سُدًى، وَلَنْ تَذْهَبَ آهَاتُهُمْ سُدًى، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ تعالى يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ.

قُولُوا لِكُلِّ مَنْ ظَلَمَ، مَهْمَا كَانَ نَوْعُ ظُلْمِهِ: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.

وَتَذَّكَرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

قُولُوا لِكُلِّ مَنْ ظَلَمَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»؟ رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَضِبَ مِنْ أَجْلِ جَمَلٍ، أَفَلَا يَغْضَبُ مِنْ أَجْلِ المُسْلِمِ المُحِبِّ للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَاتَّقُوا اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ في أَنْفُسِكُمْ وَفي الآخَرِينَ، اتَّقُوا اللهَ في أَمْوَالِكُمْ وَفي أَمْوَالِ الآخَرِينَ، اتَّقُوا اللهَ في دِمَائِكُمْ وَدِمَاءِ الآخَرِينَ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

يَا مَنْ أَدْمَعْتَ العُيُونَ، وَأَحْزَنْتَ القُلُوبَ، في مَالٍ أَكَلْتَهُ، أَوْ بَيْتٍ سَلَبْتَهُ، أَوْ حَقٍّ هَدَرْتَهُ، أَوْ أَمَانَةٍ خُنْتَهَا، فَكُلُّكُم رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ؛ تَذَكَّرْ قُدْرَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ، إِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى ظُلْمِ الآخَرِينَ.

اللَّهُمَّ تَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/صفر الخير /1444هـ، الموافق: 16/ أيلول / 2022م