835ـ خطبة الجمعة: ظلم الزوج لزوجته

835ـ خطبة الجمعة: ظلم الزوج لزوجته

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، أَنَّهُ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

الظُّلْمُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا لَنْ يَضِيعَ، بَلْ هُوَ مُحْصًى عِنْدَ اللهِ تعالى ﴿أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾. وَدُمُوعُ المَظْلُومِينَ وَآهَاتُهُمْ وَحَسَرَاتُهُمْ وَدَعَوَاتُهُمْ لَنْ تَضِيعَ وَلَنْ تَذْهَبَ سُدًى وَرَبِّ الكَعْبَةِ.

ظُلْمُ العِبَادِ إِمَّا أَنْ يُنْقِصَ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ إِنْ وُجِدَتْ، وَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ الظَّالِمُ مِنْ سَيِّئَاتِ المَظْلُومِ، وَهَذَا هُوَ الإِفْلَاسُ الحَقِيقِيُّ، وَهَذَا في الآخِرَةِ.

أَمَّا في الدُّنْيَا، فَاسْمَعُوا يَا عِبَادَ اللهِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ».

قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

وَفَكِّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْنَ الجَبَابِرَةُ؟ أَيْنَ الأَكَاسِرَةُ؟ أَيْنَ القَيَاصِرَةُ؟ أَيْنَ الفَرَاعِنَةُ؟ أَيْنَ الطُّغَاةُ؟ أَيْنَ الظَّالِمُونَ؟ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَقَارُونُ الذينَ دَوَّخُوا النَّاسَ بِسَطْوَتِهِمْ وَظُلْمِهِمْ؟ هَلْ أَبْقَى المَوْتُ لَهُمْ عِزَّةً وَكَرَامَةً؟ لَقَدْ مَاتُوا وَاسْتَرَاحَ العِبَادُ مِنْهُمْ، وَتَبِعَتْهُمُ اللَّعَنَاتُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

ظُلْمُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ ظُلْمُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، قَدْ تَجِدُ هَذَا الزَّوْجَ طَيِّبًا ذَا خُلُقٍ مُبْتَسِمًا مُنْشَرِحًا مَعَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَغَيَّرَ حَالُهُ، أَخْلَاقُهُ الحَسَنَةُ للنَّاسِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ زَوْجَتِهِ شَدِيدٌ وَقَاسٍ وَسَجَّانٌ وَعَنِيفٌ، وَسَيِّئُ الأَلْفَاظِ، سَبٌّ وَشَتْمٌ وَلَعْنٌ وَغَضَبٌ وَدُعَاءٌ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا التَّعَامُلَ هُوَ الذي يُرَبِّي الزَّوْجَةَ، وَبِهِ يُثْبِتُ وُجُودَهُ وَرُجُولَتَهُ.

ضَرْبُ الزَّوْجَةِ مِنَ الظُّلْمِ، أَخْذُ مَالِهَا وَذَهَبِهَا وَرَاتِبِهَا وَإِرْثِهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الظُّلْمِ، حِرْمَانُهَا مِنْ زِيَارَةِ أَهْلِهَا وَمَحَارِمِهَا بِغَيْرِ حَقِّ مِنَ الظُّلْمِ، البُخْلُ عَلَيْهَا وَالزَّوْجُ قَادِرٌ عَلَى الإِنْفَاقِ وَالسَّعَةِ المُنْضَبِطَةِ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الظُّلْمِ، طُولُ السَّهَرِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا مِنَ الظُّلْمِ، تَرْكُهَا مُعَلَّقَةً لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا بِمُطَلَّقَةٍ مِنَ الظُّلْمِ، التَّضْيِيقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْلُبَ الطَّلَاقَ وَتَتَنَازَلَ عَنْ حُقُوقِهَا مِنَ الظُّلْمِ.

وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ، فَفَضَّلَ إِحْدَاهُنَّ وَهَجَرَ الأُخْرَى وَأَهْمَلَهَا، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا مِنَ الظُّلْمِ.

وَإِذَا سَمِعَ شِكَايَةً عَنْ زَوْجَتِهِ مِنْ أُمِّهِ أَو أُخْتِهِ أَو مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَصَدَّقَ الشَّكَايَةَ بِدُونِ تَثَبُّتٍ وَبِدُونِ اسْتِيضَاحٍ فَكَذَلِكَ هَذَا مِنَ الظُّلْمِ.

وَأَمَّا صُوَرُ الظُّلْمِ وَالتَّفَنُّنُ فِيهِ فَحَدِّثْ عَنْهُ وَلَا حَرَجَ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ المُمْلِي عَلَى الزَّوْجِ الظَّالِمِ شَيَاطِينُ الإِنْسِ وَالجِنِّ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِمَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ عَقْدِ زَوَاجِكَ حَيْثُ قُلْتَ: تَزَوَّجْتُهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَيْسَ المُؤْمِنُ مَنْ تَطَابَقَتْ أَقْوَالُهُ مَعَ أَفْعَالِهِ؟

قُولُوا لِمَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ: إِنْ كُنْتَ شَاكِيًا مِنْ نُشُوزِ زَوْجَتِكَ فَعَالِجْ نُشُوزَهَا مِنْ خِلَالِ مَا أَوْضَحَ لَكَ رَبُّكَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَاحْذَرْ أَنْ تُعَالِجَ نُشُوزَهَا بِالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي عَلَى حُدُودِ اللهِ تعالى.

قُولُوا لِمَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ: مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ لَكَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَالقَائِلِ: «مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ، وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالقَائِلِ وَهُوَ يُوَدِّعُ الأُمَّةَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا مَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ: وَاللهِ لَتَقَفِنَّ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ، وَهُوَ سَائِلُكَ عَنْ هَذِهِ الزَّوْجَةِ التي أَمَرَكَ بِحُسْنِ مُعَاشَرَتِهَا، فَقَالَ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. إِنْ قَال لَكَ رَبُّكَ: لِمَ لَمْ تُعَاشِرْهَا بِالمَعْرُوفِ؟ هَلْ سَتَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ؟ وَهَلْ قَوْلُكَ هَذَا سَيُنْجِيكَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيُنْجِي أُسْرَتَكَ؟

يَا مَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ: لَا تَقُلْ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ لَكَ وَلِآبَائِكَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.

في الخِتَامِ: يَا مَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ، تُبْ إلى اللهِ تعالى قَبْل نِهَايَةِ أَجَلِكَ، وَإِلَّا فَسَتَنْدَمُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ النَّدَمُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/صفر الخير /1444هـ، الموافق: 23/ أيلول / 2022م