869ـ خطبة الجمعة: لنا موعد لن نخلفه أبدًا

869ـ خطبة الجمعة: لنا موعد لن نخلفه أبدًا

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا مَهْمَا طَالَتْ فَهِيَ قَصِيرَةٌ، وَأَنَّ لَنَا مَوْعِدًا لَنْ نُخْلَفَهُ أَبَدًا؟ أَلَمْ يَخْطُرْ في بَالِنَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ أَنْ نَذْهَبَ في زِيَارَةٍ قَصِيرَةٍ إلى تِلْكَ الدُّورِ التي هِيَ في ازْدِيَادٍ؟

أَيْنَ المُعَظَّمُ وَالمُحْتَقَرُ؟ أَيْنَ القَوِيُّ وَالضَّعِيفُ؟ أَيْنَ الحَاكِمُ وَالمَحْكُومُ؟ أَيْنَ الظَّالِمُ وَالمَظْلُومُ؟ مَاتُوا جَمِيعًا، وَسَيُرَدُّونَ إلى اللهِ تعالى العَلِيمِ الخَبِيرِ القَائِلِ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى زِيَارَةِ القُبُورِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ التي اشْتَدَّ فِيهَا الظُّلْمُ وَالظُّلُمَاتُ، وَاشْتَدَّ فِيهَا الهَمُّ وَالغَمُّ وَالكَرْبُ وَالغَلَاءُ وَالبَلَاءُ وَالوَبَاءُ!

يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

زُورُوهَا وَانْظُرُوا إلى أَعْدَادِ المَوْتَى التي لَا تُحْصَى، كُلٌّ قَدْ ذَهَبَ بِعَمَلِهِ، الطَّائِعُ ذَهَبَ بِطَاعَتِهِ، وَالعَاصِي ذَهَبَ بِمَعْصِيَتِهِ، وَالمُتَوَاضِعُ ذَهَبَ بِتَوَاضُعِهِ، وَالمُتَكَبِّرُ ذَهَبَ بِتَكَبُّرِهِ، وَالظَّالِمُ ذَهَبَ بِظُلْمِهِ ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾.

﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ نَسِيرُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ مِنَّا إلى ذَلِكَ الذي وَعَدَنَا اللهُ تعالى إِيَاهُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فَهَلْ نَحْنُ حَرِيصُونَ عَلَى حُسْنِ الخَاتِمَةِ، هَلْ نَحْنُ حَرِيصُونَ عَلَى أَنْ نَمُوتَ عَلَى الإِسْلَامِ، تَنْفِيذًا لِأَمْرِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟

هَلْ نَحْنُ حَرِيصُونَ عَلَى هَذَا؟ وَهَلْ نُوصِي أَبْنَاءَنَا بِذَلِكَ؟

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ وَسَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُوصِيَانِ أَبْنَاءَهُمَا بِأَنْ لَا يَمُوتُوا إِلَّا عَلَى الإِسْلَامِ، قَالَ تعالى عَنْهُمَا: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَنْ يَمُوتَ العَبْدُ عَلَى الإِسْلَامِ إِلَّا إِذَا عَاشَ عَلَيْهِ، فَالإِنْسَانُ يَمُوتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ».

يَا عِبَادَ اللهِ: عِنْدَ المَوْتِ تَظْهَرُ الحَقَائِقُ، فَلْتَكُنْ سَرَائِرُنَا خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَتِنَا، وَإِلَّا فَسَتَكُونُ الفَضِيحَةُ عَاقِبَةَ العَبْدِ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، فَمَنْ أَظْهَرَ للنَّاسِ مَا لَا يُخْفِيهِ في صَدْرِهِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى فَاضِحُهُ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَسَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

السَّعِيدُ يَا عِبَادَ اللهِ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ أَصْلَحَ مِنْ عَلَانِيَتِهِ، وَالشَّقِيُّ ـ وَنَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ ـ مَنْ كَانَ مُنَافِقًا يُظْهِرُ الصَّلَاحَ وَيُبْطِنُ الفَسَادَ.

هَنِيئًا لِمَنْ مَاتَ عَلَى الإِسْلَامِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ تَسِيرُونَ إلى مَوْعِدِكُمُ الذي لَا يُخْلَفُ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾. احْرِصُوا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى الالْتِزَامِ بِدِينِكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا عَلَى الإِسْلَامِ، فَمَنْ عَاشَ عَلَيْهِ مَاتَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَوْصُوا بِذَلِكَ ـ بِلِسَانِ حَالِكُمْ وَمَقَالِكُمْ ـ ذُرِّيَّاتِكُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

وَاسْتَنْطِقُوا ذُرِّيَّتَكُمْ، وَخَاصَّةً إِذَا وَقَعْتُمْ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾؟ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تعالى مُخْبِرًا عَنْهُ: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

يُرِيدُ أَنْ يَطْمَئِنَّ عَلَى تَرْبِيَتِهِ، وَعَلَى غَرْسِهِ، وَعَلَى وَلَدِهِ، فَأَجَابُوهُ: ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾. فَاطْمَأَنَّ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَارْتَاحَ لِذَلِكَ قَلْبُهُ، وَهَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَعَلِمَ أَنَّ أَوْلَادَهُ سَوْفَ يَرِثُونَ بِضَاعَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ.

أَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا حُسْنَ الخَاتِمَةِ، لِي وَلِأُصُولِي وَفُرُوعِي وَأَحْبَابِي وَللمُسْلِمِينَ عَامَّةً يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/ شوال /1444هـ، الموافق: 12/ نيسان / 2023م