طباعة |
30ـ كلمة شهر شعبان 1430هـ: (ذاك شهر يغفل الناس عنه) | |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد روى النسائي عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ). تقول السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها: الإنسان بضعة أيام، كلَّما انقضى يوم انقضى بضع منه. اهـ. وكلُّنا يوم القيامة سوف نسأل عن العمر كيف أمضيناه؟ وكيف استهلكناه؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية عند الترمذي: (لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ). حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، بأي شيء نستهلك هذا العمر؟ هل نستهلكه بدون فائدة أم نستثمره لآخرتنا؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا. رواه الترمذي. اغتنم أيها الشاب: وأنا أتوجَّه إلى الشباب من هذه الأمة أن يغتنموا فرصة الشباب، وذلك لوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان. اغتنموا فترة الشباب لأنكم ستسألون عنها يوم القيامة، كما مرَّ في الحديث آنفاً: (وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ). خُصَّت فترة الشباب بالسؤال لأنها مرحلة بين مرحلتين، لأنها قوة بين ضعفين، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}. فالإنسان يمر في مرحلة الشباب بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، ففي أيام الطفولة غير مكلف، وفي أيام الشيخوخة ضعف قد لا يقوى فيه العبد على كثرة النوافل والقربات. أما فترة الشباب فهي فترة القوة والحيوية والنشاط والعطاء والادخار، فهل تستطيع أيها الشاب أن تستغلَّ هذا الشباب في كثرة الطاعات والقربات والنوافل، وخاصة في هذا الشهر العظيم المبارك؟ هل تستطيع أن تكثر فيه من الصيام والقيام وتلاوة القرآن والمحافظة على صلاة الفجر والعشاء في جماعة؟ هل تستطيع أن تتغلَّب على أهوائك وشهواتك حتى تكون حبيباً إلى الله تعالى. الوقت ينقضي بسرعة: هل تعلم يا أخي الشاب بأن من مميزات الوقت سرعة انقضائه، ينقضي الوقت ويصبح ذكرى، والذي عاش عمراً طويلاً يراه قد انقضى وكأنه ساعة واحدة مرت عليه، قال تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِين * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّين * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُون * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون} . الوقت ينقضي بسرعة، إنْ بطاعة، وإنْ بمعصية، ولكن إذا انقضى بطاعة فإن مشقَّتها تزول ولذَّتها تبقى، وإذا انقضى بمعصية فإن لذَّتها تزول ومرارتها تبقى. فكم من عبد قضى وقتاً قصيراً في معصية لله عز وجل، ذهب الوقت ولذة المعصية، وبقيت مرارتها، وجاءت الحسرات من ورائها، كما قال تعالى في حق آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب}، وقال في حق قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ومن لبس ثوبا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم، فيجلجل فيها ما دامت السماوات والأرض، لأن قارون لبس حلة، فاختال، فخسف به، فهو يجلجل فيها إلى يوم القيامة) أخرجه الحارث وابن حجر في المطالب العالية وقال في الفتح: إسناده ضعيف جداً. من أيِّ الفريقين أنت؟ تساءل أيها الشاب فيما بينك وبين نفسك: من أيِّ الفريقين أنت يوم القيامة؟ يقول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه}. الأول اغتنم فرصة الشباب وحياته بطاعة الله عز وجل، والآخر على العكس من ذلك تماماً. فأيُّ الفريقين أحبُّ إليك؟ يا شباب هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا شباب هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ من عمره الشريف أكثر من خمس وخمسين سنة كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، مع المحافظة على صيام الإثنين والخميس في بقية الأشهر، مع جهاده صلى الله عليه وسلم، مع كونه رسول إلى الناس كافة، مع كونه زوجاً لأمهات المؤمنين، مع كونه عابداً متبتِّلاً، فكان صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فما حالنا وحالكم؟ متى نذكر قيمة الوقت؟ أيها الإخوة الشباب، هل تدرون متى يعرف الإنسان قيمة الوقت؟ في موقفين اثنين يذكر الإنسان قيمة الوقت: الموقف الأول: عند سكرات الموت، يقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون}. هل ترضى أن تندم عند سكرات الموت على الوقت الذي مرَّ عليك بدون استثماره في طاعة الله عز وجل. هل ترضى لنفسك أن تتحسر عند سكرات الموت؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِين * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}. فمن الآن تصدق، ومن الآن كن من الصالحين، حتى إذا جاءت سكرات الموت قلت: واطرباه، غداً ألقى الأحبة، محمداً وصحبه. الوقت الثاني: في الآخرة، عندما يدخل أهل الجنة الجنة، وعندما يدخل أهل النار النار، فإذا بأهل النار الذين أهدروا وقتهم في معصية الله عز وجل يعرضون أن يخرجوا من النار ويردوا إلى الدنيا لكسب الوقت. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ}. ماذا ينفع هذا الكلام: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}. خاتمة نسأل الله حسنها: هذا شهر عظيم مبارك يغفل الناس عنه، فهل من مغتنم لهذا الشهر كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ عليكم بالصيام والقيام وتلاوة القرآن وكثرة النوافل والقربات قدر جهدكم. أسأل الله تعالى أن يكرمنا بذلك. آمين. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. أخوكم أحمد النعسان يرجوكم دعوة صالحة ** ** **
|
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |